أهل المعرفة بالله
أهل المعرفة بالله(*)([1])
فائدة جليلة: اعلم أنَّ الآية علمت أهل الفهم عن الله، كيف يتطلبون رزقه، فإذا توقفت عليهم أسباب المعيشة أكثروا من الخدمة والموافقة؛ لأن هذه الآية دلتهم على ذلك، ألا ترى أنه قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ﴾ [طه: 132] فجاء الوعد بالرزق بعد أمرين:
أحدهما: أمر الأهل بالصلاة، والآخر: الاصطبار عليها، ثم بعد ذلك قال: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكَ﴾؛ ففهم أهل المعرفة بالله أنه إذا توقفت عليهم أسباب المعيشة قرعوا باب الرزق بمعاملة الرزاق، لا كأهل الغفلة والعمى إذا توقفت عليهم أسباب الدنيا، ازدادوا كدحًا عليها وتهافتًا فيها بقلوب غافلة وعقول عن الله ذاهلة، وكيف لا يكون أهل الفهم عن الله تعالى كذلك وقد سمعوا الله تعالى يقول: ﴿وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾([2])؛ فعلموا أنَّ باب الرزق طاعة الرزاق، فكيف يطلب منه رزقه بمعصيته!([3]) أم كيف يستمطر فضله بمخالفته!.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: «إنه لا ينال ما عند الله بالسخط»؛ أي: لا يطلب رزقه إلا بالموافقة له، وقال -سبحانه وتعالى- مبينًا لذلك: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾([4])، وقال تعالى: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾([5]) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن التقوى مفتاح الرزقين: رزق الدنيا، ورزق الآخرة، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾([6]).
فَبَيَّنَ -سبحانه وتعالى- أنهم لو أقاموا التوارة والإنجيل؛ أي: عملوا بما فيهما -لأكلوا من فوقهم، ومن تحت أرجلهم؛ أي: لوسعنا عليهم أرزاقهم وأدمنا عليهم إنفاقنا، لكنهم لم يفعلوا ما نحب؛ فلأجل ذلك لم نفعلْ بهم ما يحبون.
أمر الرزق