أمر الرزق
أمر الرزق(*)
الآية الرابعة: في أمر الرزق قوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾([1])؛ فهذه الآية صرحت بضمان الحقِّ الرزقَ، وقطعت ورود الهواجس والخواطر على قلوب المؤمنين، فإن وردت على قلوبهم كَرَّتْ عليها جيوش الإيمان بالله، والثقة به فهزمتها([2])، ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾([3])، فقوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا﴾، ضمان تكفل به لعباده تعريفًا بوداده، ولم يكن ذلك واجبًا عليه، بل أوجبه على نفسه إيجاب كرم وتفضل، ثم إنه عمم الضمان فكأنه يقول: أيها العبد، ليست كفالتي ورزقي خاصًّا بك، بل كل دابة في الأرض فأنا([4]) كافلها ورازقها، وموصل إليها قُوتَهَا.
فاعلم بذلك سعة كفالتي وغنى ربوبيتي، وأن الأشياء لا تخرج من إحاطتي، وثِقْ بي كفيلًا واتخذني وكيلًا، فإذا رأيت تدبيري لأصناف الحيوانات ورعايتي لها([5])، وقيامي بحسن الكفالة بها، وأنت أشرف هذا النوع؛ فأنت أولى بأن تكون بكفالتي واثقًا، ولفضلي رامقًا.
ألا ترى كيف قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾([6]) على سائر أجناس الحيوان؛ أي: إذ دعوناهم إلى خدمتنا، ووعدناهم دخول جنتنا، وخطبناهم إلى حضرتنا!.
تفضيل الآدمي على غيره