من أسباب إسقاط التدبير
من أسباب إسقاط التدبير([1])
فصل: اعلم أنَّ الذي يحملك على إسقاط التدبير مع الله والاختيار أمور.
الأول: علمك بسابق تدبير الله فيك؛ وذلك أن تعلم أنَّ الله كان لك قبل أن تكون لنفسك، فكما كان لك مُدَبِّرًا قبل أن تكون ولا شيء من تدبيرك معه، كذلك هو -سبحانه وتعالى- مدبر لك بعد وجودك؛ فكن له كما كنت له يكن لك كما كان لك؛ ولذلك قال الحسين([2]) الحلاج: «كن لي كما كنت لي في حين لم أكن»، فسأل من الله أن يكون له بالتدبير بعد وجوده، كما كان له بالتدبير قبل وجوده؛ لأنَّه قبل وجود العبد كان العبد مدبرًا بعلم الله، وليس هناك للعبد([3]) وجود فتقع الدعوى منه لتدبير نفسه، فيقع الخذلان لأجل ذلك.
فإن قلت: فإنَّه في حين لم يكن عدم فكيف يتعلق التدبير! فاعلم أنَّ للأشياء وجودًا في علم الله، وإن لم يكن لها وجود في أعيانها، فالحق -سبحانه وتعالى- يتولى تدبيرها من حيث إنَّها موجودة في علمه، وفي هذه المسألة غور عظيم ليس هذا الموضوع محلًّا لبسطه.
([2]) الحسين الحلاج هو أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج -رحمه الله تعالى- وهو من أهل بيضاء فارس، ونشأ بواسط العراق، صحب الجنيد والنوري وعمرو بن عثمان المكي، والغوطي وغيرهم رحمهم الله أجمعين، يقول فيه محمد بن حنيف: «الحسين بن منصور عالم رباني».
ومن كلامه }: «إذا تخلص العبد إلى مقام المعرفة أوحى الله إليه بخواطره، وحرس سره أن يسبح فيه غير خاطر الحق، وعلامة العارف أن يكون فارغًا من الدنيا والآخرة».
قتل -رحمه الله- ببغداد بباب الطلق يوم الثلاثاء لِسِتٍّ بقينَ من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمئة، وقد ذكر ابن خلكان في تاريخه عنه ما نصه: «قتل الحسين الحلاج، ولم يثبت عليه ما يوجب القتل }». انظر «الطبقات الكبرى» للإمام الشعراني، ترجمة الحلاج.
بيان وأعلام