الفصل الحادي عشر
الفصل الحادي عشر في ذكر المراكب كالخيل والبغال والحمير والجمال وما أشبه ذلك:
الخيل: قد يؤولها الناسك بالعزائم فإنها مطية العباد وقد يؤولها بالمقصد فلولا القصد لما صح العمل فالقصد مطية العابد إلى العمل وقد يؤولها بالمريدين السابقين لأنهم كالخيل السوابق لمضيهم ووقوفه عن أدراك ما حصلوا فيه وقد يؤولها السالك بصفات الحق لأنها تحمل المريدين إلى درجات معرفته تعالى فيعرفونه بها وقد يؤولها هو أيضاً بالمخالفات لأنها تحمل السالك على قطع الطريق وقد يؤولها المجذوب بالأسماء الذاتية فقد قيل عن بعض الأولياء أنه قال: (الصفات مراكب المريدين والأسماء مراكب العارفين) يريد أنهم يعرفون الحق بها فيتوصلون لسببها إلى مقامات القرب إليه.
البغال: قد يؤوله الناسك بالعلم والعمل لأن البغلة متولدة من جنسين مختلفين فكما أنها تحمل راكبها إلى مطلوبه كذلك العلم والعمل يوصلان صاحبهما إلى تقوى الله تعالى وجنته وهو مطلوب العباد وقد يؤولها السالك بدوام الذكر ودوام المخالفة فيجعلها معاً كالمركب الواحد للوصول إلى المكانة العظمى وقد قال إبراهيم بن أدهم: (طريقنا هذا مبنى على دوام الذكر ودوام المخالفة) فالطريق ولد هذين الجنسين كالبغلة وقد يؤولها المحب بالشوق لتوالده من المحب والبعد وقد يؤولها المجذوب بالوجود المقيد لأنه أثر صفة الله تعالى وأثر فعله وقد يؤولها بتجليات الكمال بجميع الملك بين الجمال والجلال.
الحمير: يؤولها الناسك بالنفوس البهيمية الحيوانية وبالغفلة عن الله تعالى وبالجهل وبحمل العلم من غير العمل به ويؤولها أيضا بالجسم لأنه مطية الروح وما شاكل ذلك ويؤولها السالك بالسلوك وبذل الجد والاجتهاد في نيل المراد وقد يؤولها بالإطراح والانحطاط والزلة والانكسار والافتقار فإن هذه الأشياء موصلة للسالك إلى مطلوبه كما أن الحمير أحقر المراكب كذلك الانحطاط والذلة والانكسار أقل ما يأتي به الفقير لأنها أوصافه التي هو عليها فلا يحتاج لها إلى تكلف عمل وقد يؤولها المحب برسائل المحبوب لأن الحمير تحمل الأسفار وهى الصحف وقد يؤولها المحب بالعواذل تجهيلاً لهم وزعماً أنه يزداد قرباً إلى محبوبه بزيادة غذائهم فكأنهم مراكب له إلى محبة المحبوب وقد يؤولها المجذوب بالموجودات جميعهاً لأنها تحمل أسرار الحق كما هى مظاهر له من أسمائه وصفاته فهى كالحمير تحمل أسفاراً ليس يدرى ما فيها من غرائب الآيات وعجائب المعارف اللدنيات.
الجمال: فالنوق منها تحمل الناسك على الأعمال والنزل على الثبات وقد يؤول النوق على الطم والنزل على الإيمان ويؤول النوق السالك لمخالفات النفس والنزل بتجليات الحق وقد يؤول النوق المحب برسائله إلى الحبيب والنزل برسائل الحبيب إليه وقد يؤول النوق بالمحب والنزل بالمحبوب وقد يؤول النوق بالمريدين والنزل بالمرادين وقد يؤول النوق بالهمم من غير عزيمة والنزل بالهمة والعزيمة وقد يؤول المجذوب النوق بالمعارف الإيمانية والصفاتية والنزل بالمعارف الذاتية وما أشبه ذلك.
المحامل والسروج وأمثال ذلك: قد يؤولها الناسك بالصلوات وبالدعوات لأنها مواضع رفع الحاجة إلى الله تعالى وأسباب التقرب إليه وقد يؤولها السالك بالقلب والروح لأنها محامل العلوم اللدنية ومواضع الأسرار الإلهية ويؤولها المحب بجميع المظاهر والموجودات لأنه شهد محبوبه في كل ما يرى ويسمع فكأنها محامل له ويؤولها المجذوب بالأسماء والصفات لأنها تحمل المعارف الإلهية إلى القلوب فتعرفه القلوب بها فلولا أسماؤه وصفاته لما عرفته القلوب تعالى وتقدس.