الفصل التاسع عشر
الفصل التاسع عشر في ذكر الثياب كالرداء والإزار والقميص والنقاب والخمار:
فإذا عرفت تأويل هذه الأشياء سهل عليك معرفة ما يأتي بعده فتؤوله على مناسبة ما نقوله لك والله الهادي
الرداء: يؤوله الناسك بما يزدرى الإنسان وهى الفترة والغفلة عن عبادة الله تعالى ويسوغ أن يؤوله بالعمل لقوله عليه السلام: (من عمل عملاً نشر الله عليه رداء يعرف به) الحديث ويسوغ أن يؤوله السالك بأنوار الواحدية عند ظهور الحق تعالى للعبد حين تتستر عنه ما سوى الحق فلا يرى لشيء في العالم وجوداً فكأنه أول تلك الأنوار الساترة للموجودات بالرداء الساتر لذات من هو عليه ولكن بلا زعم حلول ولا مزج ويسوغ أن يؤوله المحب بصفات محبوبه لأنها كالرداء عليه ويؤوله المجذوب بالكبرياء لقوله: (والكبرياء ردائي).
الإزار: يسوغ أن يؤوله الناسك بالمعونة الإلهية التي تتدارك العبد فيقوى على كثير الطاعات وقد كان يعجز عنها وهذه المعونة حملاً من حيث اشتقاق اللفظ على أنها بمعنى الموازرة من قوله الإزار ويسوغ أن يوله السالك بحمل أفعال المخالفات والمكابدات والرياضات على أزره وقد يؤوله المحب بلطائف مصنوعات أخلاق المحبوب لأن الإزار يستر عورات المتآزر فكأن له أخلاق لطيفة غامضة عن فهم الناظرين أولها بالإزار ويؤول ذلك المجذوب بالعظمة لقوله: (العظمة أزارى).
القميص: يسوغ أن يؤوله الناسك بالسندس والإستبرق يوم القيامة ويؤوله السالك بآثار الحق تعالى الظاهرة على سائر وجود العالم فكأن الآثار الإلهية كالقميص على ذات الوجود ويؤوله المحب ببشائر المحبوب بالوصال حملاً على قميص يوسف ويؤوله المجذوب بأنوار القرب الظاهرة على هيكل الولي الكامل المتصف بصفات الله تعالى.
النقاب: يسوغ أن يؤوله الناسك بالدنيا لمعنى أنها نقاب على وجه مخدرات حقائق الإيمان فإذا ارتفعت الدنيا ظهر أحكام الفة (....) كما أخبر الحق تعالى بقوله: (فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ويسوغ أن يؤوله السالك بالنفس فإنها هى الحجاب الأعظم بين العبد والرب ومن ثم ورد: (أترك نفسك وتعالى) وقد يؤوله المحب بأنوار طلعة المحبوب يعنى أنها كالنقاب عليه تستره عمن يراه كما قال بعضهم: (فأطرق أجلالاً له عند اللقاء) ويسوغ أن يؤوله المجذوب بالسبحات لقوله عليه السلام: (إن لله نيفاً وسبعون حجاب لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره) الحديث.
الخمار: يسوغ أن يؤوله الناسك بالذنوب لأنها كالخمار على وجه القلب فلا ينكشف غطاؤه ما دام عليه غفوته عقوبة ويسوغ أن يؤوله السالك بمخمور القرب ويؤوله المحب بالجمال زعماً أن محبوبه يتستر بجمال عن أعين الناظرين وقد يؤوله المجذوب بالحجب الذاتية التي احتجب الله بها عن خلقه.