الكلمة التاسعة عشر السفر والغربة
أعلم أن الخلق كلهم غرباء ولم يزالوا مسافرين من موطن إلى غيره فليس لهم قرار أبداً فأول مبتدأ سفرهم من الحضرة العلمية إلى الحضرة الإرادية ومنها إلى الحضرة القولية ومنها إلى الحضرة القدرية ومنها إلى الحضرة القلمية ومنها إلى الحضرة اللوحية ومنها إلى الحضرة الكرسية ومنها إلى الحضرة الروحية الكلية الإطلاقية (....) ومنها إلى الكرة الهيولانية ومنها إلى الكرة الهبائية ومنها إلى الكرة العنصرية ومنها إلى الكرة الفلكية الأطلسية ومنها إلى الكرة الفلكية الزحلية ومنها إلى الكرة الفلكية المشترية ومنها إلى الكرة الفلكية المريخية ومنها إلى الكرة الفلكية الشمسية ومنها إلى الكرة الفلكية الزهرية ومنها إلى الكرة الفلكية العطارية ومنها إلى الكرة الفلكية القمرية ومنها إلى الكرة النارية ومنها إلى الكرة الهوائية ومنها إلى الكرة المائية ومنها إلى الكرة الترابية ومنها إلى المرتبة النباتية والخلق كلهم مستورون في السفر من الحضرة العلمية إلى الحضرة النباتية وبعد ذلك يتفاوتون فمنهم من تسلك العناية الإلهية به طريق السعادة ومنهم من تسلك به طريق الشقاوة فمن سلكت به طريق السعادة لا يرجع من المرتبة النباتية إلى المرتبة الترابية (....) ذلك النبات غذاء لوالديه فينتقل من النباتية إلى المرتبة الغذائية ثم ينتقل منها إلى المرتبة الدموية ثم ينتقل منها إلى المرتبة المنية ثم ينتقل منها إلى المرتبة العقلية ثم ينتقل منها إلى المرتبة المضغية ثم ينتقل منها إلى الحيوانية الجنينية ثم ينتقل منها إلى ظاهر الدنيا وأما من سلكت به طريق الشقاوة فإنه لا يزال يتكرر في سفره من المرتبة النباتية إلى المرتبة الحيوانية بإن بغذا (....) به حيوان غير والده فيموت ذلك الحيوان وينتقل هو من المرتبة الحيوانية إلى المرتبة الترابية ثم ينتقل إلى المرتبة النباتية وعلى قدر بعده عن الله يسافر بين هذه الثلاث المراتب فيتكرر فيها بقدر شقاوته وبعده عن الله تعالى حتى تنسى قابليته تلك المواطن العلوية التي أنتقل منها وسافر عليها فلا يدركها في الدين فلا يكون من أهل الذكر ولينطبع في قابليته الأمور السفلية الترابية الكثيفة لطول تكراره بين تلك الأطوار والأكوان فلا يميل في ظهوره إلا الى الكثائف الشهوانية فيكون سفره بعد ذلك في ظلمات الجهل وكثائف الطبيعة حتى ينتهى إلى مستقره من الجحيم بخلاف أهل السعادة فإنهم يسافرون في الأطوار النورانية حتى يستقر بهم الأمر في دار القرار وكل من الطائفتين يجتمعون في هذه الأسفار في مواطن كثيرة ثم يفترقون ثم يجتمعون ويفترقون ويجمع تلك الأطوار على الأجمال سبعة مواطن الموطن الأول يجتمعون في العلم الإلهي الموطن الثاني يجتمعون في المرتبة الذرية الموطن الثالث يجتمعون في الأصلاب حكماً كما يجتمعون وجوداً في الأرحام الموطن الرابع يجتمعون في الدنيا الموطن الخامس يجتمعون في البرزخ الموطن السادس يجتمعون في الجواز على شفيرة جهنم الموطن السابع يجتمعون في أرض المحشر وموطن الاجتماع كثيرة لا تكاد تنضبط فاختصرنا منها على هذه السبعة لأنها أمهاتها وأعلم أن الأسفار لكل واحد من الطائفتين كثيرة وذلك معنى قوله تعالى: (وخلقكم أطوارا)ً ونحن نقتصر على ذكر أسفار أهل السعادة وتقربهم بعد الحصول في المرتبة الإسلامية فإما أسفار أهل السعادة فأعلم أنها أربعة أسفار سفر لله وسفر إلى الله وسفر في الله وسفر بالله فإما الأول وهو السفر لله فهو عبارة عن تعلم العبد العلوم النقلية والعقلية وهذا السفر فرض على كل مسلم فإن به يستقيم دينه وهو سفر من الجهل إلى العلم وأما الثاني وهو السفر إلى الله فهو عبارة عن السلوك إلى الله على سنن الطريق الواضح بالذكر والمخالفات أو بالمحبة والجذبات وهذا السفر بناؤه على الأعمال سواء كانت قلبية أو قالبية والسفر الأول بناؤه على العلوم سواء كانت علوماً بالله كأصول أو بأمر الله كباقي الشرائع وأما الثالث هو السفر في الله سفر الواصلين فهو سفر الاتصاف بالأسماء والصفات وأما الرابع وهو السفر بالله فعبارة عن الرجوع من الحق إلى الخلق والمسافرون على أقسام في الجملة فمنهم من يسافرون من مواطن المعصية إلى مواطن الطاعة وهو سفر عامة المسلمين ومنهم من يسافر من الغفلة إلى الذكر وهو سفر السالكين في بدايتهم ومنهم من يسافر من الأخلاق المذمومة إلى الأخلاق المحمودة وهذا هو سفر السالكين في نهايتهم وفى هذا الموطن يجتمع ساقة (....) المريدين بمقدمة السالكين برضوان الله عنهم ومنهم من يسافر من الخلق إلى الحق فلا يرى موجوداً سوى الله تعالى وهذا نهاية السفر إلى الله وبدايته السفر في الله ومن هذا بداية سفر العارفين ومنهم من يسافر من صفاته إلى صفات الحق فيشهد سمعه وبصره وعلمه وحياته وأرادته وقدرته وكلامه لله تعالى بالتبرئ من الحول والقدرة ومنهم من يسافر من ذات نفسه إلى الله تعالى فيفنى عنها بالكلية ومنهم من يسافر من فنائه إلى البقاء بالله فيبقيه الله تعالى ببقائه ومنهم من يسافر من صفة إلهية فعليه إلى صفة إلهية جمالية وهذا ابتداء منازل الذاهبين في الله ومنهم من يسافر من المجالي الصفاتية الفعلية إلى المجالي الصفاتية النفسية ومنهم من يسافر من صفات الجمال إلى صفات الجلال ومنهم من يسافر من صفات الجلال إلى صفات الكمال ومنهم من يسافر من سائر المجالي الصفاتية إلى المجالي الذاتية ومنهم من يسافر من المجالي الذاتية إلى الخلق نزولاً بعد العروج وتدلياً بعد التداني وهذا هو غريب الحضرة والغريب المطلق وكل غريب بنسبة أو بوجه مقيد وحقيقة الغربة هو لهذا الولي الكامل فهو الغريب الحقيقي وعلى سيد الغرباء أفضل الصلاة والسلام.