القصيدة الخامسة
القصيدة الخامسة وهى سبعة أبيات:
طلل لميه عند سفح المنحنا من دون بيض دماية سمر القنا
يعنى محل أما حمية هى سمر القنا والراح والدما هى الصور التي تنحتها النصارى من حجر المرمر تشبيه بها الحسان البياض وحسن البنية.
وجه السماع للناسك يقول أن الجنة حفت بالمكارة فجعل طلل مية كناية عن الجنة وجعل بيض دماية كناية عن الحور والولدان وجعل سمر القنا كناية عن المكارة التي حفت الجنة بها.
وجه السماع فيه للسالك يقول أن القلب عرش الله تعالى لكن دون معرفة القلب الذي هو ينبوع تجلى الحق فيه سمر القنا يعنى الموانع البشرية والقواطع الكونية فجعل طلل لميه عبارة من جنة التأويل عن تجلى إلهى يكون على قلب الولي وجعل سفح المنحنا عبارة عن القلب وجعل قوله من دون بيض دماية يعنى من دون بلوغ العبد إلى محل تظهر تلك التجليات الإلهية على قلبه سمر القنا يعنى موانع كونية.
وجه السماع للمحب فيه يقول أن للعشق مكان في القلب محفوف بأنواع البلايا والمحن فلا يصل إلى حقيقة العشق عاشق إلا بعد خوض تلك المحن والبلايا فجعل قوله طلل لميه عبارة عن تعشق القلب بالمعشوق فكأن العشق محل ظهور المعشوق فهو كالطلل عند سفح المنحنا يعنى في القلب من دون الوصول إليه سمر القنا يعنى دون التحقق بمقام العشق موانع كأنها الرماح.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول أن للإنسان مقام شريفاً عند حضرة الحق تعالى من دون الوصول إلى التحقيق بشرائط ذلك المقام سمر القنا يعنى تجليات إلهية تفنى العبد وتهلكه كما تهلكه سمر القنا فجعل طلل عبارة عن مقام وجعل مية كناية عن روح الإنسان وجعل قوله عند سفح المنحنا كناية عن حضرة الكمال الإلهي وجعل قوله من دون بيض دماية كناية عن شرائط ذلك المقام أي من دون استيفاء تلك الشروط العزيزة سمر القنا يعنى تجليات تفنى العبد أما بقهرها له أو بضعفه عنها أو باشتغاله به عن تجليات فوقها لله تعالى فيهلك دون الوصول إلى ما عداها.
وقواضب وكثائب ونجائب وعواسل ومناصل جمت المنا
وتوعد وتهدد وتأسد وتبدد لا ولى الصبابة والعنا
يعنى من دون الوصول إلى ذلك المقام بهذه الأهوال.
وجه السماع للناسك فيه تعديد أنواع المكارة التي حفت الجنة بها.
وجه السماع فيه للسالك تعديد أنواع للمخالفات والرياضات والمجاهدات التي هى دون الوصول إلى مقام الصديقية بظهور تجليات الحق تعالى على قلبه.
وجه السماع للمحب تعديد أنواع البلاياً والمحن التي تترادف على العاشق إلى أن يتمكن في مقام العشق فلا يشعر بها بعد ذلك.
وجه السماع للمجذوب فيه تعديد أنواع التجليات الإلهية التي قد يفنى ويهلك الولي بواحدة منها فيذهب عقله ولبه فلا يرجع إلى التمييز إلى أن يموت يعنى أن المطلوب عزيز من دون الوصول إلى مقام الكمال هذه التجليات التي تتنوع على قلب العبد بأنوار الجلال والجمال وواحدة منها كافية أهلاكه إلا أن يتداركه الله تعالى فيقويه ويثبته لها.
تصبوا الرماح على البطاح تخالها زهر الروابي والأسنة سوسنا
يعنى تسحب تلك الأسنة التي نصبوها على هاتيك للبطاح زهر الربا وهو الموضع المرتفع من الأرض وتحسب حديد تلك الرماح سوسنا لأن السوسن تكون له لسان زائدة تشبه لسان السنان كنى بهذه العبارة عن كثرة الرماح المنصوبة فكأنها عشب الأرض لكثرتها ولكونها دائمة لا تزول عن الحى.
وجه السماع للناسك يقول جعلت ملائكة الحق تلك الرماح يعنى تلك المكاره منصوبة على البطاح يعنى محفوفة بالجنة وأراد بذكر البطاح هنا كناية عن الكثيب الذي يخرجون إليه أهل الجنة عند زيارتهم للحق يقول كأن تلك الأعمال الصالحة التي من طبع النفوس كراهتها يشبه زهر الربا يعنى كأنها رياحين ذلك الكثيب أو عشبه لأنه محفوف به.
وجه السماع فيه للسالك فيه يقول نصبوا الشيوخ للمريدين السالكين تلك المخالفات والمجاهدات والرياضات لتتزكى نفوسهم وتطمئن عن سكونها إلى الحق تعالى فلا تخرج بالوساوس عن الحضور مع الله تعالى فجعل هذه الأشياء بمنزلة الرماح المنصوبة على البطاح.
وجه السماع للمحب فيه يقول أن حضرة المحبوب محفوفة بموانع كثيرة لأن بلايا العشق والمحبة لا يصبر عليها كل أحد من لا يصبر على ما يمتحنه المحبوب ينقطع عنه ولا يصل إليه لأنه ليس بمحب عاشق فو مل منها أو أشتكى أو أراد خلاف ما يريده المحبوب به لم يكن كاملاً في عشقه وقال بن الفارض رضى الله عنه ونفعنا ببركات أنفاسه الطاهرة:
ويمنعني شكواي حسن تصبري ولو أشك ما بي للأعادي لا شكت
وعقبى اصطباري في هواك حميدة عليك ولها عنك غير حميدة
وجه السماع للمجذوب فيه يقول أشهرت وأظهرت العنايات الإلهية بالعبد تلك التجليات العزيزة المرام العالية المقام على قلب العبد فأشرقت أرضه بأنوارها في مقام كنت سمعه وبصره ولسانه ويده كما تشرق وتزهو وتزهر أرض الربا (.....) والإزهار وتحي بهم كل أرض ينزلون بها كأنهم لبلاد الله أمطار يعنى تحيى أرض القلوب عباده بلا كيف ولا جهة سبحانه وتعالى.
يا آل منه ما لكم من حاجة بالبيض يوم تسل ميه أعينا
وجه السماع للناسك يقول يا طلاب الجنة ما لكم من حاجة بخسان الدنيا والجنة فيها من الحور العين ما لا عين رأت تلك المحاسن ولا إذن سمعتها ولا خطر على قلب بشر يعنى اتركوا طلب الدنيا والاشتغال بحسانها وهى المعبر عنها بالبيض لتنالوا حسان الجنة عبر عنها بالأعين ولهذا قال يوم تسل فيه أعينا يعنى يوم تظهر لكم الجنة تلك الحور العين.
وجه السماع فيه للسالك يقول يا أل مية يعنى يا أهل الطريق من مالكم من حاجة بالبيض يعنى أي افتقاركم إلى الكشف عن أحوال الملائكة والنظر إليهم أو عن مغيبات الأكوان جميعها إي حاجة لكم فيها إذا حصل لكم الاشتغال بتجلي الحق تعالى عند أن تظهر لكم العناية الإلهية أعين ينابيع المعارف تجرى من قلوبكم على لسانكم كما قال عليه السلام: (من أخلص لله أربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) فجعل مية كناية عن الطريق وجعل البيض كناية عن الكشف عن أحوال الملأ الأعلى أو على علم مغيبات الأكوان وجعل يوم تسل مية أعينا عبارة عن حال ظهور الينابيع من قلب العبد على لسانه فمية هنا يسوغ أن تحمل على الطريق وسلوكه ويسوغ أن تحمل على العناية الإلهية فإن هذه الأمور بين كسبيات ووهبيات والكسبى راجع إلى الوهبى وجعل أعينا عبارة عن ينابيع عيون المعارف والحكمة يعنى أي حاجة لكم بمعرفة الأكوان إذا حصلت لكم معرفة الله تعالى.
وجه السماع للمحب فيه يقول يا أل مية يعنى يا أيها البلايا والمحن الملازمة للعاشق ما لكم حاجة بالبيض يعنى أي افتقاركم بإشهار تلك السيوف على العاشقون لهلاكه وهو هالك من نظرات محبوبه عند أن كشف الغطاء عن جماله وإلى ذلك الإشارة بقوله يوم تسل منه أعينا فلا حاجة بعدها من قتله إلى سيوف الهجر والبلايا والمحن لأنه مقتول من أول ملتقى.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول يا أل مية يعنى يا أهل الوراثة المحمدية من الأفراد والأقطاب ما لكم من حاجة إلى الكرامات وخرق العادات وقد غمتكم الأنوار الإلهية بأن أثمر لكم القرب أن كان الله معكم وبصركم ويدكم ولسانكم إلى سائر الجوارح التي أشار إليها الحديث يعنى إلى افتقار يوم بعد هذا إلى تقوية النفس بالخوارق فإن تلك الأشياء لما تكون للضعفاء حتى يستقيموا على الطريق ولا يرجعوا القهقرا ولها الكمل فأتى حجاحة لهم إلى ذلك فلا يطلبوها.
فعلت بنا تلك اللحاظ السود ما لم تفعلوا بالبيض في أهل الخنا
وجه السماع للناسك فيه يقول أن الاشتغال بحسان الدنيا يفعل بالعبد فعلاً أضر من فعل السيوف بأهل الخنا يعنى بأهل الجنايات والخيانات لأنه لما منع في البيت عن الاشتغال بحسان الدنيا في قوله ما لكم من حاجة بالبيض رجع يحكى عن نفسه بما كان سبباً لمنعهم فقال فعلت بنا تلك اللحظا السود يعنى حسان الدنيا ما لم تفعلوا بالبيض يعنى بالسيوف في أهل الخنا المراد أن حبهن مملك للفتى ومتلف لدينه ودنياه.
وجه السماع للسالك فيه يقول فعلت بنا تلك اللحاظ السود يعنى الكشف عن عوالم الملكوت لمن وقف معها تفعل ما لا تفعله البيض والرماح يعنى أنها تهلك السالك وتقتله فيموت دون الوصول إلى الله تعالى فعدم الكشف عن عوالم الملكوت قبل الوصول رحمة في حق الأكثرين لأن تلك يقطع عن الترقي في الغالب.
وجه السماع للمحب فيه يقول مخاطباً للبلايا والمحن اللازمة للعشق يعنى أقصروا أو طولوا فقد فعلت بنا لواحظ المحبوب يعنى نظراته ما تفعله هذه البلايا الظاهرة في العشاق من المهالك والتلاف فإن نظرات المحبوب تذهب بلبه والبلايا والمحن العشقية تتلف الجسم وكم بين تلاف الروح واللب وتلاف الجسم هى تفعل ما لا تفعله (....).
وجه السماع للمجذوب فيه يقول أن الكمل من الثبات واليقين بالأمور المعنوية الحاصلة من نتيجة مقام كنت سمعه ما لم يكن لأهل الكرامات الخارقة قدر من أرباب الأحوال فجعل قوله فعلت بنا عبارة عن التثبيت والتمكين إلى مكنتنا وتثبتنا تلك اللحاظ السود يعنى تلك الأمور المعنوية الحاصلة بالملاحظة بالوجدان والعلم لحكم تثبت الكرامات لأرباب الأحوال لأنهم أن تنكر عليهم حالهم فقدوها وتأسفوا على فراقها بخلاف الكمل من أهل الله تعالى فإنهم لا يتنكر عليهم حال البتة فلا يفارقون ما وجدوه وليس لهم تأسف على شيء لأن الوجود بأجمع موجود فيهم فلا تطلع لهم إلى شيء سواهم قال الشاعر
ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد