الكلمة الحادية والثلاثون الفناء
هو عبارة عن فقدان لوازم البشرية أما ذهولاً عن علمه به أو علماً بانعدامه أو حالاً حقيقياً والفناء على تسعة مراتب لكل مرتبة منها أسم مخصوص المرتبة الأولى: الذهول هو عبارة عن عدم شهور العبد بنفسه عند الاستغراق في ذكر الحق لأهل الحجاب أو عند بروز أنوار الجمال لأهل الكشف المرتبة الثانية الذهاب هو عبارة عن فناء العبد عن أفعاله بسيره في ذهابه في الحق فتكون أفعاله جميعها أفعالاً لله ويكون العبد في هذه المرتبة مثله كمثل القلم بيد الكاتب تقلبه الأصابع كيف شأت اليد والكتابة ولو كانت صادرة من القلم أنما هى فعل الكاتب لا فعل القلم وهذا معنى الذهاب لأن العبد ذهب عن فعله لشهود فعل الله وقد يطلق أسم الذهاب على الترقي مطلقاً سواء كان في سيره إلى الله أو في سيره في الله المرتبة الثالثة السلب هو عبارة عن فناء صفات الخلق بظهور صفات الحق يسلب العبد يسلب في هذا المشهد جميع أوصاف العبد وتكون صفات الله عوضاً عنها فيكون سمعه وبصره وعلمه وحياته وإرادته وقدرته لله ويكون العبد نسبته كنسبة المرآة لا تنسب إليها ما ظهر لك من حسن الصورة فيها بك الحسن والجمال للصورة المتجلية في المرآة فتكون تلك الصفات الظاهرة في العبد غير منسوبة إليه بل هى منسوبة إلى الله تعالى إذ هو المتجلي بصفاته في مرآة الكون فالعبد في هذه المرتبة مرآة ظهر الحق فيها بصفاته فالصفات الله والعبد مجلى ظهورها المرتبة الرابعة الأصطلام هو عبارة فناء العبد عن ذاته لوجود ذات الحق فينتقل العبد عن حكم الوجود فلا يكون له وجود بل الوجود لله والعدم للعبد فلا يخطر بباله أنه موجود بحال لعلمه بعدمه ذاتاً وصفاتاً المرتبة الخامسة الانعدام هو عبارة عن فناء العبد عن فنائه فلا تبقى عنده شهود بأنه فانً بل تفنى عنده جميع صفاته وأحكامه وذاته بالكلية ولا تبقى عنده عندية بالنون فيتحقق بمقام الانعدام وفى هذه المرتبة يقال فيه واجداً ومن هذا المشهد ينتقل إلى مقام البقاء وسيأتي بيان البقاء في محله وأعلم أنه لا يلزم من تحققه بالانعدام أن لا تبقى فيه أحكام البشرية مطلقاً بل يجوز أن يتحقق بمقام الانعدام وفيه البقاء لأن هذا التحقق إنما هو من حيث علمه وعنديته لا من حيث ما هو عليه في الظاهر لأن جسمانيته على حالها باقية وإنما هو محجوب بالله عن البشرية وأحكامها والذى تزول عنه البشرية بسائر أحكامها إنما هو في مقام الطمس والمحو وسيأتي بيانهما في هذا المحل أن شاء الله تعالى المرتبة السادسة السحق هو عبارة عن زوال الخنس من نفس العبد فيقبل الأوصاف الإلهية من غير تعمل ولا تعقل ولا استحضار بل يقبل صفات الحق كما يقبل صفات نفسه لا يبقى عنده بينهما فرق وهذه المرتبة من أول مقامات التحقيق فيه يلحق العبد بالله وهو مقام عزيز لأن القلوب مجبولة على الأوصاف الخلقية من العجز والذل والحقارة والحد والحصر وأمثال ذلك مما هو طبع البشر ولازم المخلوقية فإذا نسب إليها شيء من صفات القدرة والعز والكبرياء والعظمة والألوهية لم تقبله بالطبع والضرورة وإن قبلت شيء من ذلك فعن تعمل وتصنع وبعد استحضار لأصليته أو بإيمان تؤمن به ولم تطمئن له النفس ولا تسكن ويشتبه ذلك على كثير من العارفين إذا وجد فيه شيء من صفات الله تعالى فيظن أن الخنس قد زال عن نفسه بالكلية وليس الأمر كذلك اللهم إلا إذا قد صار في مقام الانعدام فعلامته ثلاثة أشياء أحدها أن يقبل بذاته سائر الأوصاف الإلهية الثاني أن لا يجد فرقاً بين قبوله صفات الله وبين قبوله صفات نفسه بل يقبل هذا كما يقبل هذا بالسواء من حيث الوجدان الثالث أن لا يحتاج في قبوله صفات الله إلى استحضار أسم ولا إلى تعقل معنى بل لمجرد ما هو عليه يقبل ما يعلمه لله بذاته سبحانه المرتبة السابعة المحق هو عبارة عن زوال الحصر والحد من جسمانية العبد وروحانيته معاً فإن اليد مثلاً ليس في جبلتها الطبيعي أن تكون فيها قوة أبرأ الأكمة
والأبرص والرجل ليس في جبلتها الطبيعي أن تكون فيها قوة المشي على الهواء على أن القابلية الإنسانية فيها جميع ذلك وإنما تقييد النفوس بالعادات منعها عن ذلك الحصر عن الجارحة ظاهراً وعن النفس باطناً فقد محق هذا العبد وتحقق بهذه المرتبة الشريفة ومنها ينتقل إلى مقام الطمس المرتبة الثامنة الطمس هو عبارة عن ذهاب أحكام البشرية مطلقاً من طبعه وعادة وظاهره وباطنه فلا يعيره الجوع المفرط ولا السهر الدائم ولا الزلازل العظام بحيث أن لا تدعوه نفسه في ذلك إلى غيره فإذا سهر لا تدعوه نفسه إلى النوم وإذ جاع لا تدعوه إلى الأكل وكذلك في سائر أحواله وأموره العادية والطبيعية مع زوال الحصر عنه كما سبق في المرتبة الأولى التي قبل هذه المرتبة والفرق بين المحق والطمس أن الممحوق ولو زالت عنه أحكام الحد والحصر المتعلقين بالأجسام لا يشترط أن تزول عنه أحكام البشرية والمطموس شرطه أن تزول عنه أحكامها المرتبة التاسعة المحو هو كمال الفناء لزوال سائر الآثار الخلقية بظهور الآثار الحقية فإن المحو شرطه ظهور أثار الحق على هيكل الإنسان لأنها أعنى أثار الحق لا يتستر ظهورها على جوارح العبد إلا لوجود بقية وعلامة زوال البقية ظهور اثر الحق على سائر الجوارح وأعلم أن هذه المراتب الأربعة التي هى السحق والمحق والطمس والمحو هى مخصوصة بأهل مقام البقاء دون المراتب الخمسة الأول فإنها مخصوصة بأهل مقام الفناء لأن الباقي بصفة من صفات الله لا ظهر عليه أثراها إلا بعد التحقق بمقام المحق وهو نهاية الفناء والله أعلم.