الفصل الثالث عشر
الفصل الثالث عشر فى الطيور وهى كثيرة لنقتصر منها على خمسة وهى الباز والحمام والطاووس والغراب والقمرى ليقس عليها المستمع باقى أجناس الطيور:
الباز: وما أشبهه كالشهير والصقر والبحرى والجر والعقار إلى غير ذلك من الطيور الصادة يؤوله الناسك بالنبى صلى الله عليه وسلم لأنه يصيد قلوب العالمين إلى عبادة الله سبحانه وتعالى ويسوغ أن يؤوله بشيخه أو بالأولياء كما قال الشيخ عبد القادر: (أنا الباز الآشهب) ويجوز أن يؤوله السالك بتجلى الحق فى أسمه الواحد فإن الكثرة الوجودية جسد تنعدم فى عين العبد فلا يشهد لشىء فى العالم من أثراً إلا الله وحده فكأن هذا التجلى اصطاد وجود الأشياء لنفسها فأفنها فلا وجود لما سوى الله تعالى فيه ويسوغ أن يؤوله المحب بالعشق لأنه يصيد قلوب العاشقين وقد يؤوله بالجمال لأنه سبب العشق فهو الصائد ويؤوله المجذوب يتجلى الأحدية لأن سائر التجليات مستورة فيها فليس لأسم ولا صفة ولا تجلى ظهور فى التجلى الأحدى فكأن قد جعل تأويل انعدام تجليات الحق فى هذا التجلى الذاتى لما تفعل هذه الطيور الصيادة فى فرايسهن فافهم.
الحمام: هى المطوقة والورقاء والشاذية بالشيم المعجم والذال المعجم والياء التحتية ثم تاء التأتيث يأولها الناسك بالعبادة والصلاة لأنها مناجات بين الحق وبين عبده وكذلك الحمام تنوح على مألوفها فكأنها تناجى الفاً بما تكنه فى سرها ويسوغ أن يؤولها الناسك بأرواح المرسلين والأولياء والمؤمن على قدر ما يجده قرينه اللفظ والأصل فى الطيور أنها تناسب الأرواح فهى غالباً تقع عليها وقد يؤول الحمام السالك بالمعرفة الذاتية تشبيها للعلوم اللدنية بنوح الحمام على طريق التأويل وقد يؤولها المحب بمحبوبه لما فى الحمام معنى اللطف والروحية والكياسة وحسن النغمة وقد يؤولها المحب بنفسه لما فيها من النوح والأنين وسهر الليل فكأنها مفارقة للمحبوب مسئلة ويؤولها المجذوب بالتجلى الكلامى لما فى الحمامة من الكلام المعبر عنه بالتغريد وقد قال بعضهم: (أن الله تعالى تجلى للخلق فى كلامه ولكنهم ما عرفوه).
الطاووس: يؤولها الناسك بالجنة وقد يؤولها بروح أدم أو غيره من النبيين لذلك المعنى وقد يؤولها بالملائكة المقربين وقد يؤولها بأنوار العبادة إلى غير ذلك مما تدل عليه القرينة ويؤولها السالك المعارف والعلوم اللدنية لتنوع ألوانها وقد يؤولها المحب بالجمال التام المتنوع فى ظاهره وقد يؤوله المجذوب بالتجلى الذاتى لأنه يجمع ما فى سائر(....) التجليات للصفاتية والأسمائية من معانى الكمال والجمال والجلال كما أن الطاوس يجمع للخضرة (....) والصفرة والحمرة وغير ذلك من ألوان الحسن وأجناس اللطف صورة ومعنى(....).
الغراب: قد يؤوله الناسك بالتغرب للعزلة عن الناس فعبادة الله تعالى وقد يؤوله بالحذر من الغفلة عن العبادة لما فى الغراب من تلك الخصلة ويؤوله السالك بالجسم وهو فى اصطلاح الصوفية كناية عن الجسم الكلى وقد يؤوله السالك بالنفس لما فيها من اللدود وطول (....) على كثائف الحجب الظلمانية ويسوغ حمل الغراب على الشهوة لأن(....) إذا أن حمل الحمام على العقل وقد يؤله المحب بالفراق والهجر والبعيد لأن الشعراء غالباً أما يذكرون الغراب فى الفراقيات وقد يؤوله المجذوب يتجلى الجلال لسوده وسواد لون الغراب أو يؤوله بالتجلى الذاتى المتغرب على الأولياء والأنبياء ويسوغ أن يؤوله المجذوب بروحه لأنه غريب فى الوجود إذ محتده أثر الاسم الإلهى ومحلة قديماً فى علم الله تعالى فهو فى الدنيا غريب.
القمرية واليلزار والبلبل والعبدلين والشجرور والبغباء وسائر الطيور المتكلمة: قريبة المعانى فى تأويل ألفاظهن فما حمل على أحداهن ساغ حمله على الأخرى فالقمرية قد يؤولها الناسك بروح النبى صلى الله عليه وسلم لأنه الذى أنزل عليه الكتاب فنطق به ويسوغ تأويلها من حيث اشتقاق اللفظ شبيهاً لوجهه صلى الله عليه وسلم بالقمر وقد يؤولها السالك بالنفس الناطقة لما أودع الله فى قابلية النفس من غرائب العلوم اللدنية والأسرار الإلهية وقد يؤولها المحب لمحبوبه ويؤولها المجذوب بكلمة الحضرة أو بالاتصاف بالصفة الكلامية ويسوغ غير ذلك مما يوفق قرينة الحال.