القصيدة الأولى
القصيدة الأولى وهى سبعة عشر بيتاً:
خلع العذار متيم الإحشاء | فعلى الحياة تحية من ناء |
وجه سماع الناسك فيه خلع حب الدنيا.
وجه سماع السالك فيه بخلع صفات النفس بالتجرد عنها.
وجه السماع المحب فيه ظاهر اللفظ.
وجه السماع للمجذوب فيه خلع ما سوى الحق تعالى من قلبه يريد بالخلع هنا رفع النظر وبالعذار الوجود كله بمعنى أن العذرا الوجود موجب للتقيد على الأطراح قد تأول بالوجود الذي يقيد الناظر إليه ولحجبه عن معرفة الله تعالى ويريد بقوله فعلى الحياة يعنى حياة نفسه ومعناها بالنظر إليها تحته من ناء يعنى من فاناً عن نفسه يقول قد تركت الالتفات إلى ما سوى الله فنفسى فانية ليس لي بها شعور لاشتغالي بتجلي الواحد سبحانه وتعالى فعلى الشعور والبقاء تحية وسلام.
لله درك يا زمان صبابتي | دم لي ففيك مجامع الأهواء |
وجه السماع للناسك فيه طلب دوام زمان العبادة.
وجه السماع للسالك فيه طلب دوام زمان المخالفات في الرياضيات بالقيام على النفس لأن فيه مطلوبه من التزكية والوصل.
وجه السماع للمحب فيه ظاهر اللفظ.
وجه السماع للمجذوب فيه دوام ظهور التجليات بتوازنها عليه يريد بلفظ درك محاسنك ولطائفك لله يا زمان فنائي عن نفسى بتجليات الحق دم لي لتدوم تجلياته لأنى إذا رجعت إلى نفسى شغلت بها عن ربى فهو يطلب عدم الرجوع إلى النفس.
يأيها الوجد المبرح والجوى | جوداً بفت حشاشتي وفناء |
وجه السماع للناسك فيه بذل المهجة في عبادة الله تعالى.
وجه السماع للسالك فيه فناء صفات النفس بذهاب الأخلاق المذمومة المشار إليها بحشاشتي وفناء.
وجه السماع للمحب الأطراح بفناء العمر في حب الله تعالى أو بفناء الإيرادات في أرادة محبوبه.
وجه السماع للمجذوب فيه فناء كليات البشرية وخراباتها يريد بقوله الوجد المبرح الوجود الدائم بشهود الواحدية المحضة ويريد بقوله الجوى تعشقاً دائما يكون في قابلية القلب بالمجالي الإلهية فلا يستطيع أن يلتفت إلى ما سوى الله تعالى ويريد بقوله جوداً بفت حشاشتي وفناء يعنى دواماً فبدوامكما تجودان وتسمحان لي بذهاب دسائس النفس وأحكام البشرية شيئاً فشيئاً ولهذا ذكر لفظة الفت إلى أن يجعل الفناء الكلى.
لا كان قلب يدعى حمل الهوى | فيكم وفيه بقية لسواء |
وجه السماع للناسك فيه عدم الالتفات إلى زخارف الدنيا ليجتمع الزهد الكلى بالعبادة وإشارته بكاف الخطاب إلى أهل الدرجات في جنة المأوى.
وجه السماع للسالك فيه تجليات أسماء الله تعالى وصفاته.
وجه السماع للمحب فيه عدم الالتفات إلى ما يقاسيه المحب في محبته الله تعالى من البلايا والمحن وإشارته بكاف الخطاب إلى صفات الجمال وأراد بالسوى والبقية شعوره بما لا يلائم الطبع في حب الله تعالى.
وجه السماع للمجذوب فيه التخلص عن البقية التي يشعر بها أنه فانً فيريد بقوله يدعى حمل الهوى يعنى يظن بأنه فانً في تجليات الحق ومع هذا لو كان فانياً لما شعر بنفسه أنها فانية يقول لا كان يعنى ليت أنى لم تكن في بقية اشعر بها فنائي فدعوى الفناء مع شعوري أنى فانً مناقض لحالي فاناً أطلب انعدام تلك البقية لأخلص في تجليات الحق بالحق عن سائر ما سواه.
لا تعذلاني عاذلاى فإنما | خلقت هيولاً للغرام حشاءِ |
وجه السماع للناسك فيه مخاطبة نفسه الحيوانية وروحه يقول لهما لا تعذلاني بأن تمنعاني عن التهتك في العبادة بقولكم (أن لنفسك عليك حقاً) فإنما خلقت هيولاً للغرام يعنى للفواحش والمعاصي حشائي يعنى نفسى مجمع الخبائث والمعاصي فإن خففت في الطاعات قادتني إلى معاصي الله تعالى.
وجه السماع للسالك فيه مخاطبة خاطري العقل والشهوة يقول لهما لا تعذلاني لأن العقل قد يردع بعض الناس لدقائق شهوة بأنواع الدلائل عن ارتكاب المهالك والشدائد في مخالفات النفس لطلب الله تعالى فإنما خلقت نفسى هيولاً يعنى أما لصور الفلك وهى الحجب الظلمانية فلا لوم أن أسعى في فنائها وهلاكها.
وجه السماع للمحب فيه مخاطبته خاطرين أحدهما نظره إلى غرة المحبوب والثاني في نظره إلى حقارة نفسه لأن قرب من هو بها (....) الحقارة إلى العزيز الذى لا يماثله شيء بحيث أن وجهه أمر بعيداً في العادة فكأنه يخاطب هذين الخاطرين يقول لهما لا تمنعاني عن التهتك في حب الله تعالى فإنما خلقني الله تعالى لمحبته فلما أحبه سواءً كان في القرب إليه رجاء أم لم يكن.
وجه السماع للمجذوب فيه مخاطبة صفات نفسه وذاتها كلما عرضتا بخاطره بأنواع أحكام ما تقتضيه بشريته يقول لا تمنعاني بنظري إليكما عن شهودي لكبرياء الله تعالى فإنما خلقت ذاتي وصفاتي مجلى ومظهراً لآثار صفات الله تعالى وأسمائه فلا أمتنع بشهود نفسى وصفاتها عن شهود ربى تعالى لأن نفسى وصفاتها أثار صنعه وكبريائه فإذا شهدتها أيضاً فأنا أقع في شهود أثار صفات الله تعالى فلا منع عن الشهود بوجه لأن نفسى ما خلقت إلا لظهور ذلك.
أصلى الهوى والفرع يطلب | أصله كلفاً بغير تكلف وعناء |
وجه السماع للناسك إظهار الحجة بحيوانيته لما خاطبته روحه ونفسه بمعنيان الأول قال لهما لا تمنعاني فإن أصلى الهوى يعنى هوى النفس لأنها مخلوقة من تراب فهى سفلية أرضية تهوى إلى أسفل السافلين فهى تطلب الحضيض طبعاً كما يطلب الفرع الأصل.
وجه السماع للسالك فيه إظهار شرف قابليته الإنسانية ليعلم أنه غير متكلف في ارتكاب مخالفات النفس لطلب الله تعالى يريد بقوله أصلى الهوى يعنى أن بروز روحه من الغيب بواسطة الإرادة الإلهية فالإرادة الإلهية هى الموجبة لظهوري من عالم العلم إلى عالم العين فكأنه جعل هذه الوساطة بمنزلة السبب فالمسبب يرجع إلى السبب باستناد وجوده إليه من حيث هو مسبب وذاك سبب فعدل هذا السامع عن ذكر الأصل والفرع إلى هذا المعنى لا على سبيل أن الله تعالى يجوز أن يوصف بالأصلية أو الفرعية أو السببية والمسببية تعالى ذاته وصفاته عن ذلك يقول أنه لما كان مبدائى من الله تعالى رجعت إليه ضرورة فلا تطلب نفسى سواه.
وجه السماع للمحب فيه إظهار مجبوليته على محبة الله تعالى لقوله: (يحبهم ويحبونه) جعل محبة الحق له بمنزلة الأصل وجعل محبته بمنزلة الفرع لمحبة الله تعالى الله عن الأصلية والفرعية.
وجه السماع للمجذوب فيه شهود فناء نفسه يقول أصلى الهوى يعنى كنت معدوماً فلما أوجدني لم أزاحمه في وجوده فحكم العدم باق على فلا موجود إلا الله تعالى على الحقيقة وكنى عن العدم بالهواء يعنى أصلى العدم وأنا فرع العدم والفرع لاحق بأصله والدليل على ذلك قوله عليه السلام: (كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان) ذكر الأمام محيى الدين بن العربي أن قولهم وهو الآن على ما عليه كان زيادة عقليه ليست من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وإن حد الحديث كان الله ولا شيء معه فيقول هذا المجذوب أن الله على ما عليه كان فهو ولا شيء معه فإذن ليس لوجودي حكم بل الوجود لله تعالى وحده.
بالله يا عهدا تقادم عصره | بالود بالتبرج باللأواء |
وجه السماع للناسك فيه يخاطب أيام الفراغ عن الذنب في زمن الطفولية والصغر حيث كان مخلصاً من شوائب الذنب يقسم عليها بالله وبمحبته لها وبدوام الشوق إليها وبما سيأتي ذكره.
وجه السماع للسالك فيه يخاطب يوم قوله تعالى للأرواح: (ألست بربكم) فيقسم عليها بالله وبمحبة الله لخلقه وبالتبريح يعنى بمحبة الخلق له وبما يقاسيه السالكون من اللأواء وبما سيأتي ذكره بعد.
ووجه السماع للمحب فيه يخاطب يوم خلقه الله تعالى بيدى قدرته يطلب عود سعادة حصول تلك العناية فيخاطبها ويقسم عليها بالله وبمحبة الله لما خلق بيديه وبمحبة الخلق له وبما قدره على محبيه وخلقه وهى التي كنا عنها باللآواء.
وجه السماع للمجذوب فيه يخاطب كينونته في العلم الإلهي عيناً ثابتاً لله قبل بروزه إلى عالم الشهادة يتمنى أن تحصل له تلك الحالة في الدنيا بحيث أن يكون معدوماً لنفسه موجوداً لله كما كان قديماً في علم الله معدوماً لنفسه موجودا لله تعالى فيقسم على تلك الحالة وبإرادة الله وبدوام الله وبجلال الله فأول الود بالإرادة والتبريح بالدوام واللآواء بالجلال.
بالشوق بالزفرات بل بدامعي | بالنار بالأرياح بل بالماء |
عود إلينا أن وقت وعودنا | هذا الغرام وهذه ليلاء |
وجه السماع فيه للناسك فيما أقسم به على مثل أيام طفوليته التي كان مخلصاً فيها من شوائب المعاصي قسماً بالزفرات التي تتصعد من نار الأسف وبالشوق الذى أنتجه محبتي لعدم معصيته الله تعالى وبالدموع التي تنحدر من خشيته وإلى الثلاثة أشار بقوله بالنار بالأزياح بل بالماء عود إلينا يا زمان خلاصي من المعاصي أن يعنى قرب وقت وعودنا يريد الأجل هذا الغرام يعنى أهوية النفس دائمة وهذه أيام الحياة ماضية كنا عنها بليلاء يعنى محبوبتي لأن الحياة محبوبته بالخاصية.
وجه السماع للسالك فيه يريد بالزفرات ما أنتجته نار المحبة من الأنين والحنين إلى لقاء الله تعالى ويريد بالشوق ظاهر المعنى وكذلك الدموع ويريد بالنار دوام المخالفات ويريد بالأرياح نفحات الرحمان ويريد بالماء برد اليقين يقسم بهذه الأشياء على حالته في يوم قيل له (ألست بربكم) أن لو رجعت يقول عود إلينا يا ذلك الزمان ا آن يعنى حل وقت وعودنا يعنى زمان كشف الغطاء هذا الغرام يعنى هذا مطلوبي وهذه ليلائى يعنى وهذه الحالة محبوبتي وزبدة المعنى يطلب حصول مرتبة السعادة بسماع كلام الحق تعالى مرة أخرى.
وجه السماع للمحب فيه قد يجد بباقي البيت الأول للسالك بما يناسبه ويناسب المحب وأما قوله عود الينا فانه يطلب عود تلك العناية القديمة ليخلق الله تعالى خلقاً جديداً لإبقاء بالحضور في حضرته لشهود جماله وقوله اآن وقت وعودنا يريد معنى قوله: (أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) يعنى أنه قد أحب الله وأتبع رسوله فقد حل نجاز الوعد بأن يسبق له محبة الله تعالى فيخلق هو خلقاً أخر كما قيل: (ثم أنشأنه خلقاً أخر).
وجه السماع للمجذوب يريد بالشوق والزفرات والمدامع قسماً بما تقتضيه العبودية ويريد بالنار والأرياح والماء من حيث تأويل اللفظ قسماً بالقدرة والإرادة والعلم الإلهي يخاطب حال كينونته في العلم الإلهي بهذه الأقسام أن ترجع له ليكون فانياً عن نفسه معدوماً له موجوداً لله تعالى وفوق هذا الكلام أشارات قبضنا عنان اللفظ عنها تنزيلاً وتقريباً إلى فهم العامة من المبتدئين في الطريق.
يا ساكني سلع وسرحه لعلع | والنازلين بقاعة الوعساء |
يا زاحلين وفى الفؤاد رحيلهم | والقاطنين وربعهم أحشاء |
المنحنى فأضالعي وتأوهى | نيرانها والمغيث فهو بكاءى |
وجه السماع للناسك فيه يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ساكني سلع لأن سلعاً جبل بالمدينة ويريد بقوله سرحة لعلع يا سكاني مكة لأن لعلع جبل بمكة يخاطب أرواح المعصومين من الأولياء والملائكة الموكلة بمكة ويريد بقوله والنازلين بقاعة الوعساء أهل المعلى من الأنبياء والأولياء والشهداء المدفونين بأرض مكة لأن قاعة الوعساء عند المعلى ثم رجع يخاطبهم أجمعين بصيغة المجمع بقوله يا زاحلين يعنى غائبين عن ناظري وفى الفؤاد رحيلهم يعنى وقلبي يشاهد مواطن رحيلهم لتعلقي بهم والقاطنين يعنى أيها النازلون في تلك البقاع وربعهم يعنى منزلهم ومسكنهم أحشاءِ يعنى قلبي محلهم أما المنحنا يعنى الأمر المائل عن جادة الطريق فأضالعى يريد قلبه يعنى أنه غير مواظب على الحضور بل منهمك في الغفلات وتأوهى نيرانها يعنى أن اشتغالي بإصلاح قلبي يفنى عمرى دون انقضاء الأرب من حصوله إذ لا طاقة لي على معرفة فنون كيد النفس و الشهوات ويريد بقوله والغيث فهو بكاءى يعنى أبكى على أغاثتكم لي وأما الأبيات ففيها أيهام المنحنا بالمنزل والأشعار بأنها مخصوبة لكثرة الغيث وأن بها نيران القرى إلى غير ذلك من أنواع البديع لسنا بصدد ذكره.
وجه السماع للسالك فيه يريد بساكني سلع كناية عن القيام على النفس بالجد والاجتهاد لأن أهل المدينة كانوا مجاهدين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويريد بساكني سرحة لعلع كناية عن الحضور مع الحق تعالى بظهور تجلياته لأن لعلع عند بيته ويريد بقوله والنازلين بقاعة الوعساء كناية يريد به التنزلات الإلهية على قلوب عباده ويريد بقوله بازاحلين يعنى المواهب التي رحلت به إلى ما (.....) وفى الفؤاد يعنى في القلب ظهور ما رحلوا إليه (.....) على قلوب عباده يريد بالقانطين عبارة (.....) إلى الله تعالى وربعهم الساكن إلى الله له (.....) بذلك عن القلب (.....) إلى الله تعالى فلأية(.....) قال عليه الصلاة والسلام(.....) ويريد المنحنا محل التجليات لأن المنحنا موضع تكون فيه دار القوم ويريد بقوله فاضالعى يعنى قلبي ويريد بالتاؤه المخالفات والرياضات بأنواع السلوك والمحبة ويريد بقوله نيرانها يعنى أثار تلك التجليات والغيث فهو بكاء يعنى ما يحصل في القلب من أثار التجليات الذى هو كالغيث فهو بكاء يعنى أبكى عليه يقول مخاطباً الجد والاجتهاد والحضور مع الله بالمراقبة لتجليات الإلهية والتنزلات القدسية والموارد التي ترد على القلب فترحل به عن محل الحجاب إلى محل الكشف والسكون إلى الله تعالى يخاطب هذه الأمور المعنوية تنبيها لنفسه بها فيقول لها المنحنى يعنى محال ورود هذه الأشياء وظهور تلك التجليات هو قلبي بلا وصف حلول ولا تشبيه يعنى فهات يا نفس ما عندك من الجد والاجتهاد وهات يا قلب ما عندك من السلوك فإنما على ذلك بكائي لا على غيره.
وجه السماع للمحب في البيتن الأولين ظاهر من شرحنا لمقصدي الناسك والسالك وأما في البيت الثالث فقوله لها المنحنا فاضالعى يريد أن القلب مهبط أنوار الرب ويريد بقوله وتأوهى نيرانها يعنى محبتي وعشقي وولعي أثر مهبط تلك الأنوار إذ بعنايته أحببته لا بقوتي وجبلتي والغيث فهو بكاء يريد معالة(.....) زيادة المحبة المفيضة للدمع كالغيث.
وجه السماع للمجذوب في قوله يا ساكني سلع يريد بذلك أهل الوراثة المحمدية ومنهم الاكامل وسرحه لعلع يريد بها أهل التحقيق بالحقائق الإلهية وهم الكمل والنازلين بقاعة الوعساء يريد بهم من دون مقام القربة وهو الصديقون الذين هم أنزل من مرتبة الكمال بدرجة تحقيق الحقائق ويريد بقوله يا زاحلين وفى الفؤاد رحيلهم المجذوبين المأخوذين مع الله من طريق الأسماء غابوا عن هوية العالم بأجمعه فهم راحلون في قلوبهم إلى حضرة الوجود عن سائر العالم ويريد بقوله والقاطنين أرباب السكون إلى الله تعالى بواسطة الصفات من الأولياء الذين هم مع الله على كل حال يقول لهؤلاء السادة أما المنحنى يعنى ما نزلتم وحللتم به من درجات الكمال فاضالعى يعنى هو بين حنيني وفى قلبي قد حللته تأوهى نيرانها يعنى ما أبرزه لكم من غوامض فكهات المعارف الإلهية هى أثار تلك الأشياء الحاصلة لي على أنى نزلت فيه وصار لي مقاماً وشاهدي بذلك أن هذا لم أقعد عن طلب المزيد من الحق تعالى لأنه لا نهاية له فأنا اطلبه وأنى على مطلوبي كنا الغيث يعنى دائم البكاء لدوام القلب وعدم التسلي.
ورحال ذاك الحى مرتع مهجتي | وجبالها سقمي المقيم وداءِ |
المقصد للناسك فيه أن الشهوانيات الترابيات هى التي تستعملها نفسه وتسعى إليها وإن الفساد واقع فيه بسبب اقتضاء أثر البشرية التي كنا عنها بالجبال لثقل أوزان الأوزار فهى سقمي ودائي المقيم بقلبي وقالبي.
وجه السماع للسالك فيه هو أن يقيم على حفظ القلب بالحضور مع الله تعالى وعن ذلك كنا بقوله ورحال ذاك الحى مرتع مهجتي وأراد بقوله وجبالها سقمي المقيم وداء يعنى به على المكابدات والمجاهدات مقيم كنى بالجبال عن المجاهدات لأن حمل ذلك ثقيل على النفوس.
وجه السماع للمحب فيه أنه لا يزال متصرفاً في جمال محبوبه على ما عليه نفسه من مكابدة أمراض الهوى.
وجه السماع للمجذوب فيه أنه لا يزال يهيم في أودية الطلب مع ما يشاهده من التجليات الإلهية التي كنا عنها بالجبال لأن الجبل كان موضع ظهور أثر التجلي لموسى عليه السلام وأراد بقوله سقمي المقيم ودائي كناية عن فنائه تحت سلطان ظهور التجليات الإلهية.
وخيالكم فتصوري وجمالكم | نصب العيون وعين ذات الرائي |
وجه السماع للناسك فيه مخاطبته النبي وأهل مكة وسكان لعلع بما معناه ظاهر البيت.
وجه السماع للسالك فيه أنه لا يزال مصوراً في قلبه أحرف أسماء الله الحسنى التي كنا عنها بجمالكم فيشاهدها ويتأمل في معانى كمالها بالله تعالى لا بنفسه.
وجه السماع للمحب فيه ظاهر من تأويلينا لقصدي الناسك والسالك.
وجه السماع للمجذوب فيه مخاطبة أهل الوراثة المحمدية وتلك الأولياء المقدم ذكرهم بإتحاد الروح بهم في المقام لقوله وجمالكم نصب العيون وعين ذات الرائي إشارة إلى قوله:
وكنا حيث ما كانوا | وكانوا حيث ما كنا |
ذلك هو حقيقة التوحيد فأفهم فقد اختصرت لك أيضاً ما لو شرحناه لما وسعه الوقت.
وودا ذكر فرضى وذكر | حديثكم سننى ونفلى شدة البرحاء |
وجه السماع للناسك فيه أنه لا يزال متمسكاً بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالأنبياء والأولياء أجمعين كما سبق بما معناه ظاهر البيت.
وجه السماع للسالك فيه أنه لا يزال مقيماً على أداء ما اقترض عليه من الحضور مع الله تعالى بالمراقبة مواظباً على الإتيان بمسنون الطريق وسموم المخالفات والرياضات والمجاهدات وقائماً بنفل المحبة التي ورد النص بها في قوله: (لا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه).
وجه السماع للمحب فيه ظاهر.
وجه السماع للمجذوب فيه أراد بقوله وودادكم فرضى يعنى تعشق أسباب الحضرة الإلهية بحيث أن لا ينصرف وجه قلبه عن ذلك بحال من الأحوال وأراد بقوله وذكر حديثكم سنني يعنى تواتر الإلهام الإلهي على قلبه بما هو من قبيل فهم كلام الله تعالى وارد بقوله ونفلى شدة الرجاء يعنى أنه مع ذلك على شدة الطلب لله تعالى.
فدياركم لي قبلة وغرامكم لي | ملة ووصالكم فمناءئ |
وجه السماع فيه للناسك ظاهر لأنه يريد بالديار الكعبة وقس على ذلك تمام البيت.
وجه السماع للسالك فيه تأويل الديار بالقلوب لأنها مظاهر تجليات الحق تعالى وتأويل الغرام بالمخالفات والرياضات والمجاهدات وتأويل الوصال بارتفاع حجب الأكوان عند تجلى الرحمن يقول أن القلب قبلة شوقي يعنى إلى قلبي لا إلى ظاهر الحس كنى عن هذه الحالة عن المراقبة وإني مع ذلك فمخالفات النفس له ملة يعنى مذهبي وديني وطلب لترفع الحجب بتجلي الحق تعالى هو مطلوبي.
وجه السماع للمحب فيه تأويل الديار بالأسماء الإلهية وتأويل الغرام بمراقبتها وتأويل الوصال بارتفاع حجب الأكوان عند تجلى الحق سبحانه وتعالى.
وجه السماع للمجذوب فيه الاتصاف بالأسماء والصفات فأول الديار بالعلوم الإلهية لأن الوجود محله علم الله على أنه منزه أن يكون محلاً لشيء أو يكون شيء محلاً له وأول الوصال بمزيد المعارف الإلهية فقد أمر عليه السلام بذلك في قوله: (رب زدني علماً)
يا أيها العرب الكرام إلى متى | هذا البعاد فأسعفوا بلقاء |
وجه السماع للناسك فيه مخاطبته النبي صلى الله عليه وسلم ومن سبق ذكره وسؤال اللقاء المعبر له بدوام الطاعات لأن الصلاة صلة بين الله وبين العبد وأراد بالبعاد المعاصي.
وجه السماع للسالك فيه مخاطبات التجليات الإلهية بالثناء على الأسماء الإلهية والصفات الربانية فإنها بعيدة عن الإدراك لا يصل أحد إلى معرفتها حقيقة ولا يعرف أحد منها إلا بتنزل الإلهام من فيضها الأقدس على قلب العبد وعنه كنا بقوله فأسعفوا بلقاء.
وجه السماع للمحب فيه ظاهر مما سبق بيانه.
وجه السماع للمجذوب فيه مخاطبته ذات نفسه وسائر أجزائه وأعضائه التي قد انطمست أثارها بحب أنوار حقيقة التوحيد من معنى قوله: (كنت سمعه وبصره ويده ولسانه) ويشير إلى هذه الأعضاء والجوارح من نفسه في هذه الحالة أن تظهر أثارها أثمر لها هذا القرب وإلى ذلك أشار بقوله فأسعفوا بلقاء.
تمت القصيدة وبالله التوفيق