(الباب الرابع والثلاثون في آداب الوضوء وأسراره)
إذا أراد الوضوء يبتدئ بالسواك.
(حدثنا) شيخنا أبو النجيب قال: أنا أبو عبد الله الطائي قال: أنا الحافظ الفراء قال: أنا عبد الواحد بن أحمد المليحي قال: أنا أبو منصور محمد بن أحمد قال: أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار قال: ثنا حميد بن زنجويه قال: ثنا يعلى بن عبيد قال: ثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل، وأمرتهم بالسواك عند كل مكتوبة».
وروت عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ».
وعن حذيفة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نام من الليل يشوص فاه بالسواك؛ والشوص: الدلك، ويستحب السواك عند كل صلاة وعند كل وضوء، وكلما تغير الفم من أزم وغيره، وأصل الأزم: إمساك الأسنان بعضها على بعض، وقيل للسكوت: أزم؛ لأن الأسنان تنطبق، وبذلك يتغير الفم، ويكره للصائم بعد الزوال ويستحب له قبل الزوال، وأكثر استحبابه مع غسل الجمعة، وعند القيام من الليل، ويندَّى السواك اليابس بالماء، ويستاك عرضًا وطولًا، فإن اقتصر فعرضًا، فإذا فرغ من السواك يغسله ويجلس للوضوء، والأَوْلى أن يكون مستقبل القبلة، ويبتدئ ببسم الله الرحمن الرحيم، ويقول: رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون. ويقول عند غسل اليد: اللهم إني أسألك اليمن والبركة، وأعوذ بك من الشؤم والهلكة. ويقول عند المضمضة: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وأعني على تلاوة كتابك، وكثرة الذكر لك. ويقول عند الاستنشاق: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وأوجدني رائحة الجنة، وأنت عني راض. ويقول عند الاستنثار: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وأعوذ بك من روائح النار وسوء الدار. ويقول عند غسل الوجه: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبيض وجهي يوم تبيض وجوه أوليائك، ولا تسود وجهي يوم تسود وجوه أعدائك. وعند غسل اليمين: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وآتني كتابي بيميني، وحاسبني حسابًا يسيرًا، وعند غسل الشمال: اللهم إني أعوذ بك أن تؤتيني كتابي بشمالي، أو من وراء ظهري، وعند مسح الرأس: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وغشني برحمتك، وأنزل عَلَيَّ من بركاتك، وأظلني تحت ظل عرشك، يوم لا ظل إلا ظل عرشك. ويقول عند مسح الأذنين: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، واجعلني ممن يسمع القول فيتبع أحسنه، اللهم أسمعني منادي الجنة مع الأبرار. ويقول في مسح العنق: اللهم فك رقبتي من النار، وأعوذ بك من السلاسل والأغلال. ويقول عند غسل قدمه اليمني: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وثبت قدمي على الصراط مع أقدام المؤمنين. ويقول عند اليسرى: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وأعوذ بك أن تزل قدمي عن الصراط يوم تزل فيه أقدام المنافقين.
وإذا فرغ من الوضوء يرفع رأسه إلى السماء، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد ورسوله، سبحانك اللهم وبحمدك ،لا إله إلا أنت عملت سوءًا، وظلمت نفسي، أستغفرك وأتوب إليك، فاغفر لي وتب عَلَيَّ؛ إنك أنت التواب الرحيم. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، واجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، واجعلني صبورًا شكورًا، واجعلني أذكرك كثيرًا، وأسبحك بكرة وأصيلًا.
وفرائض الوضوء : النية عند غسل الوجه، وغسل الوجه، وحد الوجه من مبتدأ تسطيح الوجه إلى منتهى الذقن، وما ظهر من اللحية، وما استرسل منها، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا، ويدخل في الغسل البياض الذي بين الأذنين واللحية، وموضع الصلع، وما انحسر عنه الشعر، وهما النزعتان من الرأس، ويستحب غسلهما مع الوجه، ويوصل الماء إلى شعر التحذيف، وهو القدر الذي يزيله النساء من الوجه، ويوصل الماء إلى العنفقة والشارب والحاجب والعذار، وما عدا ذلك لا يجب، ثم اللحية إن كانت خفيفة يجب إيصال الماء إلى البشرة، وحد الخفيف أن ترى البشرة من تحته، وإن كانت كثيفة فلا يجب، ويجتهد في تنقية مجتمع الكحل من مقدم العين.
(الواجب الثالث) : غسل اليدين إلى المرفقين، ويجب إدخال المرفقين في الغسل، ويستحب غسلهما إلى أنصاف العضدين، وإن طالت الأظافر حتى خرجت من رءوس الأصابع يجب غسل ما تحتها على الأصح.
(الواجب الرابع) : مسح الرأس، ويكفي ما يطلق عليه اسم المسح، واستيعاب الرأس بالمسح سنة، وهو أن يلصق رأس أصابع اليمنى باليسرى، ويضعهما على مقدم الرأس، ويمدهما إلى القفا، ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه، وينصف بلل الكفين مستقبلًا ومستدبرًا.
(والواجب الخامس) : غسل القدمين، ويجب إدخال الكعبين في الغسل، ويستحب غسلهما إلى أنصاف الساقين، ويقنع غسل القدمين من الكعبين، ويجب تخليل الأصابع الملتفة، فيخلل بخنصر يده اليسرى من باطن القدم، ويبدأ بخنصر رجله اليمنى، ويختم بخنصر اليسرى، وإن كان في الرجل شقوق يجب إيصال الماء إلى باطنها، وإن ترك فيها عجينًا أو شحمًا يجب إزالة عين ذلك الشيء.
(الواجب السادس) : الترتيب على النسق المذكور في كلام الله تعالى.
(الواجب السابع) : التتابع في القول القديم عند الشافعي -رحمه الله تعالى-، وحد التفريق الذي يقطع التتابع نشاف العضو مع اعتدال الهواء.
(وسنن الوضوء ثلاثة عشر) التسمية في أول الطهارة، وغسل اليدين إلى الكوعين، والمضمضة، والاستنشاق والمبالغة فيهما، فيغرغر في المضمضة حتى يرد الماء إلى الغلصمة، ويستمد في الاستنشاق الماء بالنفَس إلى الخياشيم، ويرفق في ذلك إن كان صائمًا، وتخليل اللحية الكثيفة، وتخليل الأصابع المنفرجة، والبداءة بالميامن، وإطالة الغرة، واستيعاب الرأس بالمسح، ومسح الأذنين، والتثليث -وفي القول الجديد: التتابع- ويجتنب أن يزيد على الثلاث، ولا ينفض اليد، ولا يتكلم أثناء الوضوء، ولا يلطم وجهه بالماء لطمًا، وتجديد الوضوء مستحب بشرط أن يصلي بالوضوء ما تيسر وإلا فمكروه.