(الباب الثالث والخمسون في حقيقة الصحبة وما فيها من الخير والشر)
المقتضي للصحبة وجود الجنسية، وقد يدعو إليها أعم الأوصاف، وقد يدعو إليها أخص الأوصاف، فالدعاء بأعم الأوصاف كَمَيْلِ جنس البشر بعضهم إلى بعض، والدعاء بأخص الأوصاف كَمَيْلِ أهل كل ملة بعضهم إلى بعض، ثم أخص من ذلك كَمَيْلِ أهل الطاعة بعضهم إلى بعض، وكَمَيْلِ أهل المعصية بعضهم إلى بعض، فإذا علم هذا الأصل، وأن الجاذب إلى الصحبة وجود الجنسية بالأعم تارة، وبالأخص أخرى، فليتفقد الإنسان نفسه عند الميل إلى صحبة شخص، وينظر ما الذي يميل به إلى صحبته، ويزن أحوال من يميل إليه بميزان الشرع، فإن رأى أحواله مسددة فليبشر نفسه بحسن الحال، فقد جعل الله تعالى مرآته مجلوة، يلوح له في مرآة أخيه جمال حسن الحال، وإن رأى أفعاله غير مسددة فيرجع إلى نفسه باللائمة والاتهام، فقد لاح له في مرآة أخيه سوء حاله، فبالجدير أن يفر منه كفراره من الأسد، فإنهما إذا اصطحبا ازدادا ظلمة واعوجاجًا، ثم إذا علم من صاحبه الذي مال إليه حسن الحال، وحكم لنفسه بحسن الحال طالع ذلك في مرآة أخيه، فليعلم أن الميل بالوصف الأعم مركوز في جبلته، والميل بطريقه واقع، وله بحسبه أحكام، وللنفس بسببه سكون وركون، فيسلب الميل بالوصف الأعم جدوى الميل بالوصف الأخص، ويصير بين المتصاحبين استرواحات طبيعية وتلذذات جبلية، لا يفرق بينها وبين خلوص الصحبة لله إلا العلماء الزاهدون.
وقد ينفسد المريد الصادق بأهل الصلاح أكثر مما ينفسد بأهل الفساد، ووجه ذلك أن أهل الفساد عُلِمَ فساد طريقهم فأخذ حذره، وأهل الصلاح غره صلاحهم فمال إليهم بجنسية الصلاحية، ثم حصل بينهم استرواحات طبيعية جبلية حالت بينهم وبين حقيقة الصحبة لله، فاكتسب من طريقهم الفتور في الطلب عن بلوغ الأرب، فليتنبه الصادق لهذه الدقيقة، ويأخذ من الصحبة أصفى الأقسام، ويذر منها ما يسد في وجهه المرام. قال بعضهم: هل رأيت شرًّا قط إلا ممن تعرف؟ ولهذا المعنى أنكر طائفة من السلف الصحبة، ورأوا الفضيلة في العزلة والوحدة، كإبراهيم بن أدهم، وداود الطائي، وفضيل بن عياض، وسليمان الخواص.
(وحكي) عنه أنه قيل له: جاء إبراهيم بن أدهم أما تلقاه؟ قال: لأن ألقى سبعًا ضاريًا أحب إلي من أن ألقى إبراهيم بن أدهم، قال: لأني إذا رأيته أحسن له كلامي، وأظهر نفسي بإظهار أحسن أحوالها، وفي ذلك الفتنة، وهذا كلام عالم بنفسه وأخلاقها، وهذا واقع بين المتصاحبين إلا من عصمه الله تعالى.
(أخبرنا) الشيخ الثقة أبو الفتح محمد بن عبد الباقي -إجازة- قال: أنا الحافظ أبو بكر محمد بن أحمد قال: أنا أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة قال: أنا أبو عمرو محمد بن عبد الله بن أحمد قال: أنا أبو سليمان أحمد بن محمد الخطابي قال: أنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق قال: حدثنا سليمان بن الأشعث قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمًا يَتْبَعُ بِهَا شعاب الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ عن الْفِتَنِ».
قال الله تعالى إخبارًا عن خليله إبراهيم: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُو رَبِّي﴾ [مريم: 48]. استظهر بالعزلة على قومه.
(قيل) العزلة نوعان: فريضة، وفضيلة، فالفريضة: العزلة عن الشر وأهله. والفضيلة: عزلة الفضول وأهله، ويجوز أن يقال: الخلوة غير العزلة، فالخلوة من الأغيار، والعزلة من النفس وتدعو إليه، وما يشغل عن الله فالخلوة كثيرة الوجود، والعزلة قليلة الوجود.
قال أبو بكر الوراق: ما ظهرت الفتنة إلا بالخلطة من لدن آدم عليه السلام إلى يومنا هذا.
وما سلم إلا من جانب الخلطة. وقيل: السلامة عشرة أجزاء: تسعة في الصمت، وواحدة في العزلة. وقيل: الخلوة أصل، والخلطة عارض؛ فليلزم الأصل، ولا يخالط إلا بقدر الحاجة، وإذا خالط لا يخالط إلا بحجة، وإذا خالط يلازم الصمت؛ فإنه أصل، والكلام عارض، ولا يتكلم إلا بحجة، فخطر الصحبة كثير يحتاج العبد فيه إلى مزيد علم. والأخبار والآثار في التحذير عن الخلطة والصحبة كثيرة، والكتب بها مشحونة.
وأجمع الأخبار في ذلك ما أخبرنا الشيخ الثقة أبو الفتح بإسناده السابق إلى أبي سليمان قال: حدثنا أحمد بن سلمان النجاد قال: حدثنا محمد بن يونس الكريمي قال: حدثنا محمد بن منصور الجشمي قال: حدثنا مسلم بن سالم قال: حدثنا السري بن يحيى عن الحسن عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من قرية إلى قرية، ومن شاهق إلى شاهق، ومن جحر إلى جحر، كالثعلب الذي يروغ». قالوا: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: «إذا لم تنل المعيشة إلا بمعاصي الله، فإذا كان ذلك ذلك الزمان حلت العزوبة». قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله وقد أمرتنا بالتزوج؟ قال: «إنه إذا كان ذلك الزمان كان هلاك الرجل على يد أبويه، فإن لم يكن له أبوان فعلى يد زوجته وولده، فإن لم يكن له زوجة ولا ولد فعلى يد قرابته». قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: «يعيرونه بضيق المعيشة، فيتكلف ما لا يطيق حتى يوردوه موارد الهلكة».
وقد رغب جمع من السلف في الصحبة والأخوة في الله، ورأوا أن الله تعالى مَنَّ على أهل الإيمان حيث جعلهم إخوانًا، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: 103]. وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ [الأنفال: 62، 63].
وقد اختار الصحبة والأخوة في الله تعالى سعيد بن المسيب وعبد الله بن المبارك، وغيرهما. وفائدة الصحبة أنها تفتح مسام الباطن ويكتسب الإنسان بها علم الحوادث والعوارض.
(قيل): أعلم الناس بالآفات أكثرهم آفات، ويتصلب الباطن برزين العلم، ويتمكن الصدق بطريق هبوب الآفات، ثم التخلص منها بالإيمان، ويقع بطريق الصحبة والأخوة التعاضد والتعاون، وتتقوى جنود القلب وتستروح الأرواح بالتشام، وتتفق في التوجه إلى الرفيق الأعلى، ويصير مثالها في الشاهد كالأصوات إذا اجتمعت خرقت الأجرام، وإذا تفردت قصرت عن بلوغ المرام.
ورد في «الخبر» عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن كثير بأخيه». وقال الله تعالى مخبرًا عمن لا صديق له: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ [الشعراء: 100، 101 ]. والحميم في الأصل: الهميم إلا أنه أبدلت الهاء بالحاء؛ لقرب مخرجهما؛ إذ هما من حروف الحلق، والهميم مأخوذ من الاهتمام أي: يهتم بأمر أخيه، فالاهتمام بمهم الصديق حقيقة الصداقة. وقال عمر: إذا رأى أحدكم ودًّا من أخيه فليتمسك به؛ فقلما يصيب ذلك، وقد قال القائل:
وإذا صفا لك من زمانك واحد |
* | فهو المراد، وأين ذاك الواحد؟ |
وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام قال: يا داود، ما لي أراك منتبذًا وحدك؟ قال: إلهي، قليت الخلق من أجلك، فأوحى الله إليه: يا داود، كن يقظانًا مرتادًا لنفسك إخوانًا، وكل خدن لا يوافق على مسرتي فلا تصحبه؛ فإنه عدو يقسي قلبك ويباعدك مني.
وقد ورد في الخبر: «إن أحبكم إلى الله الذين يألفون ويؤلفون». فالمؤمن آلِف مألوف، وفي هذا دقيقة وهي: أنه ليس من اختار العزلة والوحدة لله يذهب عنه هذا الوصف، فلا يكون آلِفًا مألوفًا، فإن هذه الإشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخُلق الجبلي، وهذا الخُلق يكمل في كل من كان أتم معرفة ويقينًا، وأرزن عقلًا، وأتم أهلية واستعدادًا، وكان أوفر الناس حظًّا من هذا الوصف الأنبياء ثم الأولياء، وأتم الجميع في هذا نبينا -صلوات الله عليه- وكل من كان من الأنبياء أتم ألفة كان أكثر تبعًا، ونبينا صلى الله عليه وسلم كان أكثرهم ألفة وأكثرهم تبعًا، وقال: «تناكحوا تكثروا؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة».
وقد نبه الله تعالى على هذا الوصف من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159].
وإنما طلب العزلة مع وجود هذا الوصف، ومن كان هذا الوصف فيه أقوى وأتم كان طلب العزلة فيه أكثر في الابتداء؛ ولهذا المعنى حبب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلوة في أول أمره، وكان يخلو في غار حراء، ويتحنث الليالي ذوات العدد.
وطلب العزلة لا يسلب وصف كونه آلِفًا مألوفًا، وقد غلط في هذا قوم ظنوا أن العزلة تسلب هذا الوصف فتركوا العزلة طلبًا لهذه الفضيلة، وهذا خطأ، وسر طلب العزلة لمن هذا الوصف فيه أتم من الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل ما أسلفنا في أول الباب أن في الإنسان ميلًا إلى الجنس بالوصف الأعم، فلما علم الحذاق ذلك ألهمهم الله تعالى محبة الخلوة والعزلة لتصفية النفس عن الميل بالوصف الأعم، لترتقي الهمم العالية عن ميل الطباع إلى تألف الأرواح، فإذا وفوا التصفية حقها اشرأبت الأرواح إلى جنسها بالتألف الأصلي الأولي، وأعادها الله تعالى إلى الخلق ومخالطتهم مصفاة، واستنارت النفوس الطاهرة بأنوار الأرواح، وظهرت صفة الجبلة من الألفة المكملة آلفة مألوفة، فصارت العزلة من أهم الأمور عند من يألف فيؤلف.
ومن أدل الدليل على أن الذي اعتزل آلف مألوف حتى يذهب الغلط عن الذي غلط في ذلك، وذم العزلة على الإطلاق من غير علم بحقيقة الصحبة وحقيقة العزلة، فصارت العزلة مرغوبًا فيها في وقتها، والصحبة مرغوبًا فيها في وقتها.
قال: قال محمد ابن الحنفية -رحمه الله-: ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدًّا حتى يجعل الله له منه فرجًا، وكان بشر بن الحرث يقول: إذا قصر العبد في طاعة الله سلبه الله تعالى من يؤنسه، فالأنيس يهيئه الله للصادقين رفقًا من الله تعالى، وثوابًا للعبد معجلًا، والأنيس قد يكون مفيدًا كالمشايخ، وقد يكون مستفيدًا كالمريدين، فصحيح الخلوة والعزلة لا يترك من غير أنيس، فإن كان قاصر يؤنسه الله بمن يتمم حاله به، وإن كان غير قاصر يقيض الله تعالى له من يؤنسه من المريدين، وهذا الأنس ليس فيه ميل بالوصف الأعم، بل هو بالله ومن الله وفي الله.
(روى) عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المتحابون في الله على عمود من ياقوتة حمراء، في رأس العمود سبعون ألف غرفة، مشرفون على أهل الجنة، يضيء حسنهم لأهل الجنة كما تضيء الشمس لأهل الدنيا، فيقول أهل الجنة: انطلقوا بنا ننظر إلى المتحابين في الله -عز وجل- فإذا أشرفوا عليهم أضاء حسنهم لأهل الجنة كما تضيء الشمس لأهل الدنيا، عليهم ثياب سندس خضر، مكتوب على جباههم: هؤلاء المتحابون في الله عز وجل».
وقال أبو إدريس الخولاني لمعاذ: إني أحبك في الله. فقال له: أبشر، ثم أبشر؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ينصب لطائفة من الناس كراسي حول العرش يوم القيامة، وجوههم كالقمر ليلة البدر، يفزع الناس ولا يفزعون، ويخاف الناس ولا يخافون، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون». فقيل: من هؤلاء يا رسول الله؟ قال: «المتحابون في الله عز وجل».
(وروى) عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله -عز وجل-: حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ، والمتصادقين فِيَّ».
(أخبرنا) الشيخ أبو الفتح محمد ابن عبد الباقي -إجازة- قال: أنا أحمد بن الحسين بن خيرون قال: أنا أبو عبد الله أحمد بن عبد الله المحاملي قال: أنا أبو القاسم عمر بن جعفر بن محمد بن سلام قال: أنا أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي قال: حدثنا حماد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟». قَالُوا: وما هو؟ قَالَ:«إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْبِغْضَةَ؛ فَإِنَّهَا هِيَ الْحَالِقَةُ».
وبإسناد إبراهيم الحربي عن عبيد الله بن عمر عن أبي أسامة عن عبد الله بن الوليد عن عمران بن رباح قال: سمعت أبا مسلم يقول: سمعت أبا هريرة يقول، الخبر. وفي «الخبر» تحذير عن البغضة، وهو أن يجفو المختلي الناس مقتًا لهم وسوء ظن بهم، وهذا خطأ، وإنما يريد أن يخلو مقتًا لنفسه، وعلمًا بما في نفسه من الآفات، وحذرًا على نفسه من نفسه، وعلى الخلق أن يعود عليهم من شره، فمن كانت خلوته بهذا الوصف لا يدخل تحت هذا الوعيد، والإشارة بالحالقة يعني أن البغضة حالقة للدين؛ لأنه نظر إلى المؤمنين والمسلمين بعين المقت.
(وأخبرنا) الشيخ أبو الفتح بإسناده إلى إبراهيم الحربي قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا أبو عاصم عن ثور عن خالد بن معدان قال: إن لله تعالى ملكًا نصفه من نار ونصفه من ثلج، وإن من دعائه: اللهم فكما ألفت بين هذا الثلج وهذه النار، فلا الثلج يطفئ النار، ولا النار تذيب الثلج ألف بين قلوب عبادك الصالحين، وكيف لا تتألف قلوب الصالحين وقد وجدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقته العزيز بقاب قوسين في وقت لا يسعه فيه شيء للطف حال الصالحين؟ وجدهم في ذلك المقام العزيز، وقال: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»، فهم مجتمعون وإن كانوا متفرقين، وصحبتهم لازمة، وعزيمتهم في التواصل في الدنيا والآخرة جازمة.
وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه: لو أن رجلًا صام النهار وقام الليل وتصدق وجاهد ولم يحب في الله ولم يبغض فيه ما نفعه ذلك.
(أخبرنا) رضي الدين أحمد بن إسماعيل بن يوسف -إجازة إن لم يكن سماعًا- قال: أنا أبو المظفر عن والده أبي القاسم القشيري قال: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت عبد الله بن المعلم يقول: سمعت أبا بكر التلِمساني يقول: اصحبوا مع الله، فإن لم تطيقوا فاصحبوا مع من يصحب مع الله؛ لتوصلكم بركة صحبتهم إلى صحبة الله.
(وأخبرنا) شيخنا ضياء الدين أبو النجيب -إجازة- قال: أنا عمر بن أحمد الصفار النيسابوري -إجازة- قال: أنا أبو بكر أحمد بن خلف قال: أنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا نصر الأصفهاني يقول: سمعت أبا جعفر الحداد يقول: سمعت علي بن سهل يقول: الأنس بالله تعالى أن تستوحش من الخلق إلا من أهلِ ولاية الله؛ فإن الإنس بأهل ولاية الله هو الأنس بالله، وقد نبه (القائل) نظمًا على حقيقة جامعة لمعاني الصحبة والخلوة وفائدتهما وما يحذر فيهما بقوله:
وحدة الإنسان خير |
* | من جليس السوء عنده |
وجليس الخير خير |
* | من قعود المرء وحده |