مثال صاحب المعصية
كفى بك جهلًا أنَّ الناس يخزنون الأقوات لوقت حاجتهم إليها، وأنت تخزن ما يضرك وهي المعاصي.
هل رأيت من يأتي بحيَّاتٍ فيربيها في داره؟! فها أنت تفعل ذلك.
وأضر ما يخاف عليك محقَّرَاتُ الذنوب؛ لأنَّ الكبائر ربما استعظمتَها فتبتَ منها واستحقرت الصغائر فلم تَتُب منها.
فمثالُك كمَنْ وَجَدَ أسدًا فخلَّصه الله تعالى منه، فوجد بعده خمسين ذئبًا فغلبوه.
قال الله تعالى: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ﴾([1])، والكبيرة حقيرة في كرم الله تعالى، وإذا أصررت على الصغيرة صارت كبيرة([2])؛ لأنَّ السَّمَّ يقتل مع صغره، والصغيرة كالشرارة من النار والشرارة قد تُحرق بلدة.
من أنفق عافيته وصِحَّتَهُ في معصية الله فمثاله كمن خلَّف له أبوه ألفَ دينار فاشترى بها حيَّاتٍ وعقارب وجعلها حوله، تلدغه هذه مرَّة وتلسعه هذه أخرى، أفما تقتله؟ وأنت تمحَقُ الساعات في مخالفات، فما مثالك إلا كالحدأة تطوف على الجيفة حيثما وجدتها انحطت عليها؛ بل كن كالنحلة صغيرٌ جِرمُهَا عظيمَةٌ هِمَّتُهَا، تجني طيبًا وتضع طيبًا.
طالما تمرغتَ في مواطن المحن فتمرغْ في محابِّ الله عزَّ وجلَّ.
([2]) قال العلماء: لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار، وهذا معنى كلام سيدي ابن عطاء الله رضي الله تعالى عنه، والاستغفار هنا باللِّسان والتوبة بالجوارح والجنان.