هل من مشترٍ لسلعتنا؟
يا عبد الله، تنتخب لنفسك الطيبات؛ بل تنتخب لدابتك العلف وتعامل الله بالمجازفة؟! وربما قلَّبت عشرين بطيخة حتى تصلح لك واحدة لدِهليز مرحاضك، وتقعد عند الأكل متربعًا، وربما طوَّلت في الأكل فإذا جئت للصلاة نقرتَهَا نقر الديك والوساوسُ والخواطر الردية تأتيك في صلاتك.
مثال من هَذِهِ حالَتُهُ كمن نصَّب نفسه للهدف، وقعد والرِّمَاحُ والسهام تقصده من كل جانب، إنَّما هذا أحمق، ما شأنُك إن أسمعت الحكمة ولم تعمل بها إلا كمَثَلِ الذي يلبَس الدرع ولا يقاتل به، ألا فقد حصل النِّداء على سلعتنا([1]) فهل من مشترٍ! قيمتك قيمة ما أنت مشغول به، فإن اشتغلت بالدنيا فلا قيمة لك؛ فإن الدنيا كالجيفة لا قيمة لها.
أفضل ما يطلب العبد من الله أن يكون مستقيمًا معه قال الله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ﴾([2])، فاطلب منه الهداية والاستقامة، وهو أن تكون مع الله في كلِّ حال بالذي يرضاه لك، وهو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه.
من بَذَلَ للهِ صِرْفَ الوُدِّ سقاهُ الله صرف الكرم، مثل السالك كَمَنْ يحفُرُ عن الماء قليلًا قليلًا حتى يَجِدَ الثُّقْبَ فينبع له الماء بعد الطلب، ومثال المحبوب كمن أراد الماء فأمطرت له سحابة فأخذ منها ما يحتاج إليه من غير تعبٍ.
إذا أعطيت نفسك كل ما تشتهي وتطلب من الشهوات كنت كمن في بيته حية يُسمنُهَا كلَّ يوم حتى تقتله.
لو جعل الله فيك الرُّوح من غير نفسٍ لأطعتَ وما عصيت، ولو جعل فيك النفس من غير روح لعصيت وما أطعت؛ فلذلك تتلوَّنُ، ولكن جعل فيك القلب والروح والنفس والهوى كالنَّحْلَةِ جعل فيها اللسعة والعسل؛ فلذلك تلون، فالعسل يبره واللسع يقهره، فأراد الله أن يكسر دعوى النفس بوجود القلب، ودعوى القلب بوجود النفس.
يا عبد الله، طلب منك أن تكون له عبدًا فأبيتَ إلا أن تكون ضِدًّا.
إقبالُكَ على اللهِ إفرادك له بالعبادة، فكيف يرضى لك أن تعبد غيره، فلو أتيتنا تطلب العطاء منا ما أنصفتَنَا، فكيف إذا أقبلت على من سوانا؟!.
إذا أقبلت على من سوانا وقفت الدنيا في طريق الآخرة فصُرفت عن الوصول إليها، ووقفت الآخرة في طريق الحق فمُنعت الوصول إليه.
إنَّ من لطف الله بك أن يكشف لك عن عيوب نفسك ويسترها عن النَّاسِ.
إذا أُعْطِيتَ الدنيا ومنعت الشكر فيها فهي محنة في حقِّكَ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قليلُ الدنيا يلهي عن طريق الآخرة».
كان لبعضهم زوجة فقالت له يومًا: لا أقدِرُ على أن تغيب عني، ولا أن تشتغل بغيري؛ فنودي إذا كانت هذه لا خالقة ولا موجدة وهي تحب أن تجمع قلبك عليها، فكيف لا أحب أنا أن تجمع قلبك عليَّ.
([1]) ورد في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «ألا إنَّ سلعة الله غالية، ألا إنَّ سلعة الله غالية، إلا إن سلعة الله غالية؛ ألا وهي الجنة».
وقفات مع النفس