التوكُّل على الله
وقبيحٌ بالمؤمن أن ينزل حاجته بغير مولاه مع علمه بوحدانيته، وانفراده بربوبيته، وهو يسمع قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾([1])، ولنذكر قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ﴾([2])، ومن العقود التي عاقدته عليها ألَّا ترفع حوائجك إلا إليه، ولا تتوكل إلا عليه.
ورفع الهمة عن الخلق ميزان الفقراء، ﴿وَأَقِيمُوا الوَزْنَ بِالقِسْطِ﴾([3])، فظهر الصادق بصدقه والمدَّعِي بكذبه.
وقد ابتلى الله بحكمته ووجود منَّته الفقراءَ الذين ليسوا بصادقين بإظهار ما كمنوا من الرغبة، وأسرُّوا من الشهوة، وابتذلوا أنفسهم لأبناء الدنيا مباسطين لهم، موافقين لهم على ما بهم، مدفوعين على أبوابهم، فترى الواحد منهم يتزين كما تتزين العروس مفتونون بإصلاح ظواهرهم، غافِلُونَ عن إصلاح بواطنهم بسرائرهم، ولقد وسمهم الحَقُّ وسمةً كشف بها عوراتهم، وأظهر أخبارهم، فبعد أن كانت نسبة أحدهم إلى الله أن لو صدق مع اللهِ أن يقال له: عبد الكبير؛ فخرج عن هذه النسبة فصار يقال له: شيخ الأمير.
أولئك الكاذبون على الله، الصادُّون العباد عن صحبة أولياء الله؛ لأن ما يشهده العوام منهم يحملونه على كل منتسب إلى الله صادق أو غير صادق، فهم حُجُب أهل التحقيق، وسُحُب شمس أهل التوفيق، ضربوا طبولهم، ونشروا أعلامهم، ولبسوا دروعهم، فإذا وقعت الحملة ولَّوا على أعقابهم ناكصين، ألسنتهم منطلقةٌ بالدَّعوى، وقلوبهم خالية من التقوى، ألم يسمعوا قوله سبحانه: ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ﴾([4])؟.
أترى إذا سأل الصادقين عن صدقهم أيترك المدَّعين على غير سؤال، أَلَمْ يسمعوا قوله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾([5])؟.
فهم في إظهار زِيِّ الصَّالِحِينَ الصادقين وعملهم عمل غير المؤمنين كما قال الله تعالى: ﴿وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾([6]).