صِفَاتُ العَاقِلِ
العاقل بما هو أبقى أفرح منه بما هو يفنى.
قد أشرق نوره، وظهرت تباشيرُه، فصد عن هذه الدار مولِّيًا أو أعرض عنها مغضبًا، فلم يتخذها وطنًا، ولا جعلها سكنًا؛ بل أنهض الهِمَّةَ فيها إلى اللهِ، وسارَ إليه مستعينًا به في القُدُومِ عَلَيهِ، فما زَالَتْ مَطِيَّةُ عَزْمِهِ لا يَقَرُّ قرارُهَا دائمًا بتَسْيَارِهَا إلى أن أناخت بحضرة القدس، وبسط الأنس، محل المفاتحة، والمواجهة، والمجالسة، والمحادثة، والمشاهدة، والملاطفة فصارت الحضرة معشش قلوبهم إليها يَأْوُونَ وفيها يستوطنون.
فإن نَزَلُوا إلى سَمَاءِ الحقوق أو أرضِ الحظوظ فبالإذلال والتمكين، والرسوخ في اليقين، فلم ينزلوا إلى الحقوق بسوء الأدب والغفلة، ولا إلى الحظوظ بالشهوة والمتعة، بل دخلوا في ذلك كله بالله ولله ومن الله وإلى الله، فإياكَ يا أخي أن تصغي إلى الواقعين في هذه الطائفة؛ لئَلَّا تسقط من عين الله وتستوجب المقت من الله، ولكن قُلْ: العائِقُ منِّي.
لو استعددْتَ في أوَّلِ يومٍ لم تَحْتَجْ إلى حُضُورِ مجلس ثانٍ، وإنَّمَا احتجت إلى التَّكْرَارِ لقُوَّةِ صدأ قلبك حتى يكون لكل جلسة صقلة.
عليكَ بالحوالة على مولاك، واترُكْ من لا يستطيع أن ينفع غيره.
اقطع إياسَك من الخلق، ووجِّهْ رجاك إلى الملك الحقِّ، وانظر ماذا عمل معك من أول نشأتك، ما صنع معك إلا جودًا وإحسانًا، وانظر ماذا صنعت معه فلا ترى إلا جفاءً وعصيانًا.
ما أكثر موالاتك للمخلوقين وما أقل موالاتك لله!.