مناجاته رضي الله تعالى عنه
إلهي: أنا الفقير في غناي، فكيف لا أكون فقيرًا في فقري؟ وأنا الجهول في علمي، فكيف لا أكون جهولًا في جهلي؟.
إلهي: مني ما يليق بلؤمي، ومنك ما يليق بكرمك.
إلهي: إن ظهرت المحاسن مني فبفضلك، ولك المنة عليَّ، وإن ظهرت المساوئ مني فبعدلِكَ([1])، ولك الحجة علي.
إلهي: كيف تكلني إلى نفسي وقد توكلتُ عليك؟ وكيف أضام وأنت الناصر لي؟ أم كيف أخيب وأنت الحفيُّ بي؟ هأنا أتوسل إليك بفقري، وكيف أتوسل إليك بما هو محالٌ أن يصل إليك؟ أم كيف أشكو إليك حالي، وهو لا يخفى عليك؟.
إلهي: كيف أهزم وأنت القاهر؟ وكيف لا أعز وأنت الآمر؟.
إلهي: تردُّدِي في الآثارِ يوجب بُعْدَ المزار، فاجمعني عليك بخدمة توصلني إليك.
إلهي: فكيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟ أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك!.
إلهي: متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟!.
إلهي: ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟!.
إلهي: عَمِيَتْ عينٌ لا تراك عليها رقيبًا، وخسرت صفقة عبدٍ لم يجعل له من حبك نصيبًا.
إلهي: هذا ذلِّي ظاهرٌ بين يديك، وهذا حالي لا يخفى عليك، منك أطلب الوصول إليك، وبك استدل عليك، فاهدني بنورك إليك، وأقمني بصدق العبودية بين يديك.
إلهي: علِّمْنِي من علمك المخزون، وَصُنِّي بسِرِّ اسْمِكَ المصون، وحقِّقْنِي بحقَائِقِ أهلِ القرب، واسلُك بي مسالك أهل الجذب، وأغنني بتدبيرك عن تدبيري، وباختيارك لي عن اختياري، وأوقفني على مراكز اضطراري، وأخرجني من ذُلِّ نفسي، وطَهِّرْنِي من شكي وشركي قبل حلول رَمسِي([2])، بك أستنصر فانصرني، وعليك أتوكل فلا تكلني، وإياك أسأل فلا تحرمني، وفي فضلك أرغب فلا تخيِّبني، ولجنابك أنتسب فلا تبعدني، وببابك أقف فلا تطردني.
إلهي: إنَّ القضاء والقدر غلبني، وإن الهوى بوثائق الشهوة أسرني، فكن أنت الناصر لي حتى تنصرني وتبصرني، وأغنِنِي بفضلك حتَّى أستَغْنِيَ بفَضْلِكَ عن طَلَبِي، أنتَ الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك، وأنت الذي أَزَلْتَ الأغيار من أسرار أحبائك، أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم حتى استَبَانَتْ لهم المعالم.
إلهي: ماذا وجد من فقدَك؟ وما الذي فقد من وجدك؟. لقد خاب من رضي دونك بدلًا، ولقد خسر من بغي دونك متحولًا، كيف يُرْجي سواك وأنت ما قطعت الإحسان! وكيف يطلب من غيرك وأنت ما بدلت عادة الامتنان!.
إلهي: يا من أذاق أحبابه حلاوَةَ مؤانسته فقاموا بين يديه متملِّقِين، ويا من ألبَسَ أولياءه ملابِسَ هيبته فقاموا بعِزَّتِهِ مستعزِّين، أنت الذاكر من قبل الذاكرين، وأنت البادي بالإحسان من قبل توجه العابدين، وأنت الجواد بالإعطاءِ من قبل طالب الطالبين، وأنت الوهاب لنا، ثم أنت لما وهبت لنا من المستقرضين، فاطلبني برحمتك حتى أصل إليك، واجذبني بمنتك حتى أقبل عليك.
إلهي: إنَّ رجائي لا ينقطع عنك وإن عصيتك، كما أن خوفي لا يزال يزايدني وإن أطعتك، وقد دفعتني العوالم إليك، وأوقفني علمي بكرمك عليك، فكيف أخيب وأنت أملي؟ أم كيف أهان وعليك متَّكَلِي؟ كيف استعزُّ وفي الذلة (أركزتني)([3])؟ أم كيف لا أستعزُّ وإليك قد نسبتني؟ كيف لا أفتقر وأنت الذي في الفقر قد أقمتني؟ أم كيف أفتقر وأنت الذي بجودك قد أغنيتني؟.
إلهي: أنت الذي لا إله غيرك، تعرفت لكلِّ شيء، فما جهلك شيء، وأنت تعرَّفْتَ إليَّ في كلِّ شيء فرأيتك ظاهرًا في كل شيء، فأنت الظاهر لكلِّ شيء، يا من استوى برحمانيته على عرشه، فصار العرش غيبًا في رحمانيته، كما صارت العوالم غيبًا في عرشه، محقت الآثار بالآثار([4])، ومحوت الأغيار بمحيطات أفلاك الأنوار.
إلهي: يا من احْتَجَبَ في سُرَادِقَاتِ عِزِّهِ عن أن تدركه الأبصار، يا من تَجَلَّى بكَمَالِ بَهَائِهِ فتحققت بعظمته الأسرار، كيف تَخْفَى وَأَنْتَ الظاهر؟ أم كيف تغيب وأنت الرقيب الحاضر؟.
والله أعلم وصلَّى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وسلَّم
([4]) قال ابن عجيبة في شرح «الحكم»: الآثار الأولى هي العوالم، والآثار الثانية هي العرش، فقد امتحقت الأكوان كلها في عظمة العرش حتى صارت كالعدم.