العلم النافع
واعلم رحمك الله أنَّ العلم حيث تكرر في الكتاب العزيز، أو في السنَّةِ إنما المراد به العلم النافع الذي يقارنه الخشية، وتكتنفه المخافة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ﴾([1])؛ فبين أن الخشية تلازم العلم، فالعلماء هم أهل الخشية، وكذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ﴾([2])، وقوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ﴾([3])، وقوله: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾([4])، وقوله صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء»([5]).
إنَّمَا المراد بالعلم في هذه المواطن كلها العلم النافع القاهر للهوى، القامع للنفس، وذلك متعين بالضرورة؛ لأن كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم أَجَلُّ من أن يحمل على غير هذا.
والعلم النافع هو الذي يُسْتَعَانُ به على الطاعة، ويلزم الخشية من الله تعالى، والوقوف على حدود الله تعالى، وهو علم المعرفة بالله، ولكن من استرسل بإطلاق التوحيد، ولم يتقيَّدْ بظواهر الشريعة، فقد قذف به في بحر الزندقة([6])، ولكن الشأن أن يكون بالحقيقة مؤيَّدًا، وبالشريعة مقيَّدًا، وكذلك المحقق فلا يكون منطلقًا مع الحقيقة، ولا واقفًا مع ظاهر إسناد الشريعة، وكان بين ذلك قَوَامًا؛ فالوقوف مع ظاهر الأشياء شرك، والانطلاق مع الحقيقة من غير تقيُّدٍ بالشريعة تعطيلٌ، ومقام الهداية فيما بَيْنَ ذلك.
وكل عِلْمٍ تسبق إليكَ فِيهِ الخَوَاطِرُ، وتتبعها الصور، وتَمِيلُ إليه النَّفْسُ، وتلذُّ به الطبيعة فارمِ به وإن كان حقًّا، وخذ بعلم الله الذي أنزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقتدِ بِهِ، وبالخلفاء من بعده، والصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبالهداة إلى الله تعالى الأئمة المبرئين من الهوى، وبمتابعتهم تسلم من الشكوك، والظنون، والأوهام، والوساوس، والدعاوى الكاذبة المضلَّةِ عن الهدى وحقائقه، وحسبك من العلم النافع العلم بالوحدانية، ومن العلم مَحَبَّةُ الله، ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبة الصحابة، واعتقاد الحق للجماعة.
([2]) من الآية [107] من سورة الإسراء وتمامها: ﴿إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا﴾.
([6]) قال العلماء: من تَفَقَّهَ ولم يَتَصَوَّفَ فقد تَفَسَّقَ، ومن تَصَوَّفَ ولم يَتَفَقَّهَ فقد تَزَنَدَّقَ.
وقال الإمام الشافعي (رضي الله تعالى عنه):
فقيهًا وصوفيًّا فكن ليس واحدًا |
* | فإني وحقِّ اللهِ إياك أنصح |
أين تَجِدُ العز؟