أيها العبد إياك وجواذب التعلُّق بغير الله
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي -رضي الله تعالى عنه- ليس الفقيه من فقأ الحجاب عن عيني قلبه، وإنما الفقيه من فهم سر الإيجاد، وأنه ما أوجده إلا لطاعته، ولا خلقه إلا لخدمته، فإذا فهم هذا كان الفقه منه سببًا لزهده في الدنيا، وإقباله على الآخرة، وإهماله لحظوظ نفسه، واشتغاله بحقوق سيِّدِهِ، مفكرًا في الميعاد، قائمًا بالاستعداد؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القويُّ خير عند الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير»([1]).
فالمؤمن القويُّ هو الذي أشرق في قلبه نور اليقين، قال الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾([2]) سبقوا إلى الله فخلَّصَ قلوبهم عمَّا سواه فلم تعقهم العوائق، ولم يشغلهم عن الله العلائق، سبقوا إلى الله؛ إذ لا مانِعَ لهم، وإنَّمَا منع العباد من السبق جواذب التعلق بغير الله، فكلما هَمَّتْ قلوبهم أن ترحل إلى الله تعالى جَذَبَهَا ذلك التعلق الذي به تَعَلَّقَتْ، فكرَّتْ راجعةً إليه ومقبلةً عليه، فالحضرة محرَّمَةٌ على من هذا وصفه، وممنوعة عمَّن هذا نعته، وافهم ها هنا قوله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾([3])، والقلب السليم هو الذي لا تَعَلُّقَ له بشيء غير الله وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾([4]).
يفهم منه أنه لا يصلح مجيئك إلى الله، ولا الوصول إليه إلا إذا كنت فردًا عمَّا سواه، وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى﴾([5]) يفهم منه أنَّه لا يُؤْوِيكَ إلا إذا صح يُتْمُكَ مِمَّا سواه، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وتر يحب الوتر»([6])؛ أي يحب القلب الذي لا يشفع بمثنيات الآثار، فكانت هذه القلوب لله وبالله، فهم أهل الحضرة المخاطبون بعين المنَّةِ، فكيف يمكنهم أن يكونوا لسواه مستندين، وهم لوجود الأحدية مشاهدين.
([6]) رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وقال الهيثمي في «المجمع» رواه البزار، والطبراني في «الأوسط».
أهلُ الله كانوا بالله فكفاهم الله