معرفة الأولياء
عن الشيخ مكين الدين الأسمر -رحمه الله تعالى- أنه قال: رأيت بالإسكندرية عبدًا مع سيِّدِهِ وعليهما لِوَاءٌ قد أطبق ما بين السماء والأرض، فقلت: يا ترى هذا اللواء للسيد أو للعبد؟ فتبعتهما حتى اشترى له سيِّده حاجة وفارقه، فلما ذهب العبد ذهب معه اللواء، فعلمت أنه وليُّ من أولياء الله تعالى فجئت إلى سيِّده وقلت له: أتبيعني هذا العبد؟ فقال: لماذا؟. فما زال بي حتى ذكرت له أمره، فقال لي سيده: يا سيدي الذي تطلبه أنت أنا أولى به. وأعتقه وكان وليًّا كبيرًا، فمنهم من يعرف الأولياء بالشم من غير وجود طِيب، ومنهم من يعرفه بالذوق، إذا رأى وليًّا ذاق الحلاوة في فمه.
وإذا رأى صاحب قطيعة ذَاقَ طعمَ المرارة في فَمِهِ فإيَّاكَ يا أخي أن تصغي إلى الواقعين في هذه الطائفة لئَلَّا تسقط من عين الله، وتستوجب المقتَ من الله، فإن هؤلاء القوم (أي الأولياء) جلسوا مع الله على حقيقة الصدق والإخلاص والوفاء ومراقبة الأنفاس مع الله، قد سلَّموا قِيَادَهُمْ إِلَيْهِ، وألْقَوْا أنفُسَهُم سَلَمًا بين يديه، وتركوا الانتصار لأنفسهم حَيَاءً من ربهم، فكان هو المحاربَ عنهم لمن حاربهم، والغالب لمن غالبهم، ولقد ابتلى الله هذه الطائفة بالخلق خصوصًا أهل العلم الظاهر، فقلَّ أن تجد منهم من شرح الله صدره للتصديق بولي معيَّنٍ، بل يقول لك: نعم إن الأولياء موجودون، ولكن أين هم؟ فلا يُذكرُ له أحد إلا وأخذ يدفع خصوصية الله فيه. طَلْق اللسان بالاحتجاج عاريًا من التصديق، فاحذر مِمَّن هَذَا وَصْفُهُ وفِرَّ منه فِرَارَكَ من الأَسَدِ.