بيانٌ وهداية
بيان للمعتبرين وهداية للمتبصرين، وهو أن من خَرَجَ عن تدبيره لنفسِهِ كان اللهُ هو المتولِّي بحسن التدبير له، والتدبير على قسمين: تدبير محمود، وتدبير مذموم.
فالتدبير المذموم: هو كل تدبير ينعطف على نفسك بوجود حظها ليس لله فيه شيءٌ، كالتدبير في تحصيل معصية، أو في حَظٍّ بوجود غفلةٍ، أو طاعة بوجود رِيَاءٍ وسمعة، ونحو هذا، فهذا كله مذموم؛ لأنَّه إما موجبُ عقابًا، وإما موجب حجابًا، ومن عرف نِعْمَةَ العقل استحيى من الله سبحانه أن يصرف عقله إلى تدبير ما لا يوصله إلى قربه، ولا يكون سببًا لوجود حبه، والعقل أفضل ما منَّ الله به على عباده؛ لأنه سبحانه خلق الموجودات وتفضل عليها بالإيجاد، وبدوام الإمداد، فاشتركت الموجودات في إيجاده وإمداده، لما اشتركت أراد الحق سبحانه أن يميز الآدمي عنهم فأعطاه العقل وأيَّدَه به، وفضله بذلك على الحيوان، وأكمل به نعمته على الإنسان، وبالعقل ووفوره وإشراقه ونوره تتم مصالح الدنيا والآخرة، فصرف نعمة العقل إلى تدبير الدنيا التي لا قدر لها عند الله كفر لنعمة العقل، وتوجهه إلى (الاهتمام)([1]) بإصلاحِ شأنه في معاده؛ قيامًا بشكر المحسن([2]) إليه، والمفيض من نوره عليه أحق به وأحرى، وأفضل له وأولى، فلا تصرف عقلك الذي منَّ اللهُ به عليك في تدبير الدنيا التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «الدنيا جيفة قذرة»، وكما قال للضَّحَّاك: ما طعامُك؟ قال اللحم واللبن. قال: ثم يعودان إلى ماذا؟ قال: إلى ما قد علمت يا رسول الله. قال: «فإن الله قد جَعَلَ ما يخرج من ابن آدم مثلًا للدنيا»([3]).
والتدبير المحمود: هو ما كان تدبيرًا إلى ما يقربك إلى الله سبحانه كالتدبير في براءة الذمم من حقوق المخلوقين؛ إمَّا وفاءً، وإمَّا استحلالًا، وتصحيح التوبة إلى رب العالمين، والفكرة فيما يؤدي إلى منع الهوى الردي والشيطان الغوي، فهذا كله محمود لا شك فيه؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فكرة ساعة خير من عبادة سبعين سنة».
التدبير المحمود والمذموم