بابُ الكمال
لو فتح لك باب الكمال([1]) لما رجعت إلى الرذائل، أرأيت من فتح له باب القَصْر أيرجع إلى المزابِلِ؟ ولو فتح لك بابَ ربوبيته ما قطعك.
لو فتح لك باب الأنس بينك وبينه ما طلبتَ من تأنَسُ به.
لو اختارَكَ لربوبيته ما قطعك عنه.
لو كرمتَ عليه ما رماك لغيره.
إذا عزل عنك محبَّة مخلوق فافرح؛ فهذا من عنايته بك.
ولا تكون معصيةٌ إلا والذُّلُّ معها؛ أفتعصيه ويعزُّكَ؟! كلا فقد ربط العز مع الطاعة والذل مع المعصية([2]).
فصارت طاعته نورًا وعزًّا وكشف حجاب، وضدها المعصية ظلمة وذُلُّ وحجاب بينك وبينه، ولكن ما منعك من الشهود([3]) إلَّا لعدم وقوفك مع الحدود([4]) واشتغالك بهذا الوجود([5]).
وإذا عَصَى ولدُك فأدِّبْه بالشَّرْعِ ولا تقطَعْه؛ بل قابِلْهُ بالعُبُوسَةِ ليكفَّ عن المعصية، وأكثَرُ ما يدْخُلُ على المؤمِنِ الخجلُ إذا كان عاصِيًا رفقاؤُهُ، فإمَّا أن يفضحوه وإمَّا أن يستهزئوا به، فإذا فعلوا ذلك فقد أخطئوا الطريق.
إذا عصى المؤمنُ فقد وقع في وحلة (ورطة) عظيمة، وطريقه أن تفعل معَهُ كما فعلتَ مع ولدك إذا عصى، تُعْرِضُ عنه عند عصيانِهِ، وتعرض عنهُ في الظاهر وتكون له راحمًا في الباطن، وتطلب له الدعاء بالغيب.
([1]) الكمال هنا مقصودٌ به الكمالُ النسبي وليس الكمال المطلق؛ فالعصمة للأنبياء فقط ولكن، كما روي عنه صلى الله عليه وسلم قوله: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا» فيقترب الولي التَّقِيُّ النَّقِيُّ من الكمال اقترابًا كبيرًا ولكن لا يكون معصومًا.
([2]) قال تعالى: ﴿وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ فالعز كله في الطاعة. سورة المنافقون - من الآية [8].
([3]) قال سيدي ابن عجيبة في شرحه لـ «الحكم العطائية»: «وحق البصيرة يشهدك وجود الحق وحدَه لا وجودك؛ لأنَّك مفقود من أصلك ولا عدمك -أي لا يشهدك عدمك- إذ لا يعدم إلا ما ثبت له وجود، ولم يكن مع الله موجود، كان اللهُ ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان...».
آفة الحسد