تأدُّب السماء والأرض مع الولي
إذا رأيت وليًّا لله تعالى فلا يمنعك إجلاله من أن تقعد بين يديه متأدبًا وتتبرك به، واعلم أن السَّماء والأرض لتتأدب مع الولي كما يتأدب معه بنو آدم.
فمن فرِح بالدنيا إذا جاءته فلقد ثبت حمقه، وأحمَقُ منه من إذا فاتته حَزِنَ عليها، فمِثَالُكَ كمن جاءته حيَّة لتلدغه ثم مضت وسلَّمه الله منها فحزن عليها إذ لم تَضُرُّه.
من علامات الغفلة وصِغَرِ العقل أن تعول همًّا هل يقع أو لا، وتترك أن تعول همًّا لا بُدَّ من وقوعه، فتصبح تقول: كيف يكون السِّعر غَدًا؟ أو كيف يكون الحالُ في هذه السَّنة؟ وألطاف الله تعالى تأتي من حيث لا تعلم، والشَّكُّ في الرزق شَكٌّ في الرَّزَّاقِ، وما سرق السَّارق وما غصب الغاصب إلا رزقه، فما دمت حيًّا لا ينقص من رزقك شيئًا.
كفى بك جهلًا أن تعول الهم الصغير وتترك الهم الكبير!.
(عُلْ هَمَّ) ([1]) هل تموت مسلمًا أو كافرًا!.
(عُلْ هَمَّ) أنت شقي أو سعيد؟.
(عُلْ هَمَّ) النار الموصوفة بالأبدية التي لا انتهاء لها.
(عُلْ هَمَّ) أخذِ الكتاب باليمين أو بالشمال، هذا هو الهم الذي يُعال لا تَعُل همَّ لقمة تأكلها أو شربة تشربها، أيستخدمك الملك ولا يطعمك؟ أتكون في دار الضيافة وتضيع؟!.
إن أَحَبَّ ما يطاع الله به الثقة به.
لَأنْ تكون خاملًا في الدنيا خيرٌ لك من أن تكون خاملًا يوم القيامة، هَذِهِ صَفَاوَةُ العمر وغربلته، يا من لا يأكل الحنطة إلا مغربلة، لا بد لك أن يغربل عملك، فلا يبقى لك منه إلا ما أخلصت فيه، وما عدا ذلك يرمى، وأكثر ما يخشى عليك مخالطة الناس، أولا يكفيك أن تسمع بأذنيك بل تشاركهم في الغيبة وهي تنقض الوضوء، وتفطر الصائم!.
كفى بك جهلًا أن تغار على زوجتك ولا تغار على إيمانك!.
كفى بك جهلًا أن تغار عليها لأجل نفسك، ولا تغار على قلبك لأجل ربك، إذا صنت ما هو لك ألا تحفظ ما هو لربك؟!.
إذا رأيت من يصبح مهمومًا لأجل الرزق فاعلم أنَّه بعيد من الله، فإنه لو قال لك مخلوق: لا تشتغل غدًا بسبب وأنا أعطيك خمسة دراهم. وثقت به وهو مخلوق فقير، أفما تكتفي بالغني الكريم الذي ضمن لك رزقك مع أجلك؟!.
أنشد إنسان شعرًا:
إذا العشرون من شعبان ولَّت |
* | فواصل شرب ليلك بالنهار |
ولا تشرب بأقداح صغار |
* | فقد ضاق الزمان عن الصغار |
ومعناه عنده: إذا مضت العشرون من شعبان فقد قرب رمضان يقطع علينا الشراب، ومعناه عند أهل الطريق إذا خلفت أربعين سنة وراء ظهرك، فواصل العمل الصالح بالليل والنهار؛ لأن الوقت قد قَرُبَ إلى لِقَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فليس عملك كعَمَلِ من كان شابًّا، ولم يُضَيِّعْ شبابَه ونشاطه، وأنت قد ضيعت شبابك ونشاطك([2]).
([2]) قال سيدي ابن عجيبة في «شرحه للحكم العطائية»: إنَّ ابن الجوزي كان يقرأ ببغداد اثني عشر علمًا، فخرج يومًا لبعض شئونه فسمع قائلًا يقول: «إذا العشرون من شعبان ولت...» البيتان، فخرج هائمًا على وجهه إلى مكة فلم يزل يعبد الله بها حتى مات رحمه الله، ففهم من الشاعر انصراف العمر وضيق زمان الدنيا كله. قال: قال في «لطائف المنن»: واعلَم أنَّ هَذِهِ المفهومات المعنوية الخارجة عن الفهم الظاهر ليست بإحالة اللفظ عن مفهومه، بل هو فهم زائد على الفهم العام يهبه الله لهذه الطائفة من أرباب القلوب.
أيُّهَا العبدُ لا يصلحك إلا الذكر