أيها الناس توبوا إلى الله جميعًا
أيها العبد، اطلب التوبة من الله تعالى في كلِّ وقتٍ؛ فإن الله تعالى قد ندبك إليها، قال الله تعالى:
﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾([1]).
وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾([2]).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِى وَإِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِى الْيَوْمِ سبعين مَرَّةً»([3]).
فإن أردت التوبةَ فينبغي لك ألَّا تخلو من التفكُّرِ طول عمرك، فتفكَّر فيما صنعت في نهارك، فإن وجدت طاعة فاشكر الله عليها، وإن وجدت معصية فوبِّخْ نفسَكَ على ذلك، واستغفر الله وتب؛ فإنه لا مجلس مع الله أنفعُ لك من مجلسٍ توبِّخ فيه نفسك، ولا توبِّخْهَا وأنت ضاحكٌ فَرِحٌ؛ بل وبِّخها وأنت مُجِدٌّ صادِقٌ مظهرٌ للعبوس، حزين القلب منكسرٌ ذليل([4]).
فإن فعلتَ ذلك أبدلك اللهُ بالحزن فرحًا، وبالذلِّ عزًّا، وبالظلمة نورًا، وبالحجاب كشفًا([5]).
وعن الشيخ مكين الدِّين الأسمر رحمه الله تعالى -وكان من السبعة الأبدال([6])- قال: «كنت في ابتداء أمري أخيط واتقوَّت من ذلك، وكنت أعدُّ كلامي بالنهار، فإذا جاء الليل حاسبت نفسي([7])؛ فأجد كلامي قليلًا، فما وجدت فيه من خير حمِدت الله وشكرته عليه، وما وجدت فيه من غير ذلك تُبْتُ إلى الله واستغفرته. إلى أن صار بدلًا رضي الله تعالى عنه.
واعلم أنه إذا كان لك وكيلٌ يحاسب نفسه ويحاققها؛ فأنت لا تحاسبه لمحاسبة نفسه، وإن كان وكيلًا غير محاقِقٍ لنفسه، فأنت تحاسبه وتحاققه وتبالغ في محاسبته، فعلى هذا ينبغي لك أن يكون عملك كلُّه لِلهِ، ولا ترى أنك تفعل فعلًا والله تعالى يُحاسبك به ولا يحاقكَ.
وإذا وقع من العبد ذنبٌ وقع معه ظلمة([8])، فمثال المعصية كالنَّار والظلمة دخانها كمن أوقد في بيت سبعين سنة، ألا تراه يسودُّ؟ كذلك القلب يسودُّ بالمعصية فلا يَطْهُرُ إلا بالتوبة إلى الله تعالى.
([3]) الحديث: «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة» والغين هذا غين أنوار لا غين أغيار؛ فإنه < منزَّه عن هذا معصوم، والحديث رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، واستغفاره صلى الله عليه وسلم تعليمٌ لأمته محسِنها ومسيئِها، هذا وروى هذا الحديث أيضًا الترمذِيُّ وابنُ ماجه وأحمد وابن حبان.
([4]) فإنه كما قال المؤلِّف في الحِكَمِ: «رُبَّ معصية أورثت ذلًّا وانكسارًا، وربَّ طاعة أورثت عجبًا وكبرًا واغترارًا»، فانكسار العبد وذله بين يدى ربه يوجب له القرب والرعاية.
([5]) الكشف هو أن يكشف لك الله سبحانه طرفًا من الغيب على سبيل الكرامة ليثبِّت بها الله الذين آمنوا خاصة المبتدئين في الطريق إلى الله تعالى؛ تحفيزًا لهم وتقوية لقلوبهم في الطريق إليه، والكشفُ أنواع، وربما استعاذ بعض الأولياء والصالحين من بعض أنواعه لكشفه لهم المستور من أفعال بعض الخلائق المذمومة فيتعوَّذون من ذلك أدبًا مع الله تعالى.
([6]) الأبدال: هم عباد صالحون لهم قوة في الإيمان والصلاح، ولهم تصرفات يجريها الله على أيديهم في كونه بقدرته جلَّ شأنه، ولهم الدعوات المستجابات، وبهم يستغيث الخلائق عند البلاء، وكلما مات منهم واحد أخلف الله بدله واحدًا من خاصة خلقه، وللإمام السيوطي رسالة في بيان الأقطاب والأبدال والأوتاد.
([7]) ورد عن سيدنا عمر بن الخطاب قوله: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم».
([8]) الظلمة هي المرادة من قوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا أذنب العبد ذنبًا نُكِتَتْ فِى قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ...».