من ظفر بالتوبة ظفر بحب الله تعالى
فأوَّلُ المقامَاتِ([1]) التَّوْبَةُ، ولا يُقبَل ما بعدَهَا إلا بِهَا، مثالُ العبد إذا فعل المعصية كالقِدْر الجديدة توقد تحتها النَّار ساعةً فتَسْوَدَّ، فإن بادرت إلى غسلها انغسلت من ذلك السَّواد، وإن تركتها وطبخت فيها مرَّة بعد مرَّةٍ ثبت السَّواد فيها حتى تنكسر ولا يفيد غسلُها شيئًا.
فالتوبة هي التي تغسل سوادَ القلب، فتبرز الأعمال وعليها رائحة القَبُول، فاطلُب من اللهِ تعالى التوبة دائمًا فإن ظفرت بها فقد طاب وقتُكَ لأنَّهَا موهِبَةُ من اللهِ تعالى يضعها الله حيث شاء من عباده.
وقد يظفر بها العبد المُشَقَّقُ الأكعاب([2]) دون سيِّده، وقد تظفر بها المرأة دون زوجها، والشَّاب دون الشيخ، فإن ظفرت بها فقد أحبك الله؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾([3]).
إنَّما يغتبط بالشيء من يعرف قدره، ولو بذرت الياقوت بين الدَّواب لكان الشعير أحب إليها، فانظر من أيِّ الفريقين أنت؟ إن تُبْتَ فأنت من المحبوبين، وإن لم تَتُبْ فأنتَ من الظَّالمين، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾([4]).
من تاب ظفر، ومن لم يتب خسِر، ولا تقطع يأسك وتقول كم أتوب وأنقض([5])! فالمريض يرجو الحياة ما دامت فيه الروح.
إذا تاب العبد فرحت به داره من الجنة وتفرح به السَّماء والأرض والرسول صلى الله عليه وسلم؛ فالحق سبحانه لم يرضَ أن تكون مُحِبَّا بل محبوبًا، وأين المحبُّ من المحبوب([6]).
([1]) المقام: هو ما يستمر ويدوم، والحال: ما لا يستمرُّ ويدوم، بل يعرض حينًا ثم يزول، وكل مقام يصلح أن يكون حالًا وكل حال يصلح أن يكون مقامًا.
([3]) من الآية [222]، من سورة البقرة، والطهارة حسيَّة ومعنوية، والمعنوية هي التطهر من المعاصي والذنوب والآثام والعود إلى الملك العلام.
([5]) أي: كن كما قال القوم: «الصوفيُّ ابنُ وقته» أي إنه إذا أذنب استغفر وتاب وندم ونظر إلى وقته الحالي وعمره بالطاعة وأبدل مكان السيئة الحسنة ولا ييأس من روح الله مع خوفه أيضًا من الله سبحانه.
شؤم المعصية