الله هو المالك وأنت الراعي وجوارحك غنمك
جوارحك غنمك وقلبك هو الراعي، والله هو المالك، فإن رعيتها في المرعى الخصيب حتى أَرْضَيْتَ المِالِكَ استوجبت الرضا من المالك، وإن رعيتها في المرعى الوخيم حتى أعجف أكثرها ثم جاء الذئب فأخذ بعضها استوجبت العقوبة من المالك، فإن شاء انتقم منك، وإن شاء عفا عنك.
فجوارِحُكَ إمَّا أبواب إلى الجنة، وإما أبواب إلى النار، فإن صرفتها فيما يرضاه كنت ساعيًا في طريق الجنة، وإلا كنت ساعيًا في طريق النار.
فهذه موازين الحكمة، فزِنْ بها عقلَكَ كما تزن الأشياء المحسوسات، فإن أَرَدْتَ أن تعرِفَ كيف تَمُرُّ على الصراط فانظُرْ حالك في الإسراعِ إلى المَسَاجِدِ، فحَرِيٌّ أن يكون الذي يأتي المسجد قبل الأذان يمرُّ على الصراط كالبرق الخاطف، والذي يأتي في أول الوقت يمرُّ عليه كأجاويد الخيل.
وها هُنَا صراط الاستقامة.
لا يُشْهَد بالأبصار، ولكن تشهده القلوب، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾([1])، ولم يشر إلى موجود فمن أضاءت له الطريق يتبعها، ومن كانت طريقه مظلمة لم يشهدها فيبقى متحيرًا، فإن كنت قد أطلقتَ سَمْعَكَ وبَصَرَكَ ولسانَكَ بُرْهَةً من عمرك فقَيِّدِ الآن ما أطلقت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بخَمْسِمئةِ عَامٍ»([2])؛ وذلك لأنهم سبقوا في الدنيا بالعبادة، وأنت تترك الجماعة وتصلي وحدك، وإذا صليتها نقرتها نقر الديك، وهل يهدى للملوك إلا ما حسن وانتخب.
فما سبق الفقراء إلى الجنة إلا لأنهم سبقوا إلى خدمة المولى في الدنيا، والمراد بالفقراء الصابرون الذين صبروا على الفاقة، حتى إن أحدهم ليفرح بالشدَّةِ كما تفرح أنت بالرخاء، فدخول الفقراء إلى الجنة قبل الأغنياء يدل على صبرهم على الفاقة.
([1]) من الآية [153] من سورة الأنعام وتمامها: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
صحبة الحقِّ سبحانه