الجهاد الأكبر
أتريد أن تجاهد نفسك وأنت تقويها بالشهوات حتى تغلِبَكَ؟! ألا فقد جهلت.
فالقلب: شجرةٌ تُسقى بماء الطاعة، وثمراتها مواجيدها.
فالعين: ثمرتها الاعتبار.
والأذن: ثمرتها الاستماع للقرآن.
واللسان: ثمرته الذكر.
واليدان والرجلان: ثمرتهما السعي في الخيرات.
فإذا جَفَّ القلب سقطت ثمراته، فإن أجدب فأكثِرْ من الأذكار، ولا تكنْ كالعليل يقول: لا أتداوى حتى أجد الشِّفاء. فقيل له: لا تجد الشِّفاء حتى تتداوى.
فالجهاد ليس معه حلاوة وما معه إلا رءوس الأسِنَّةِ فجاهد نفسك، هذا هو الجهاد الأكبر([1]).
واعلم أن الثَّكْلَى لا عيِد لها؛ بل العيد([2]) لمن قهر نفسه، لا عِيْدَ إلا لمن جمع شمله.
جازَ بعضهم على دَيْرِ راهب فقال له: يا راهب، متى عيد هؤلاء القوم؟ قال: يوم يغفر لهم.
وما مثالُك مع نفسك إلا كمن وجد زوجته في حَانة خمَّارٍ، فأتاها بالملابس الحسنة والمآكل الطيِّبة، فإذا تركت الصلاة أصبحت تلقمها الهرائس والألوان.
بقي بعضهم أربعين سنة لا يحضر الجماعة لما يشم من نتن قلوب الغافلين([3])، فما أعرفك بمصالح الدنيا! وما أجهلك بمصالح الآخرة!.
مثال الدنيا عندك كمن خرج إلى الضيعة واجتهد فخزن الأقوات، فأنت ما أتيت بما يعود نفعه عليك في وقته، بل خزنت الحيات وما تحيى به الشهوات وعقارب المعصية فهلكت.
([1]) ومعنى كونه جهادًا أكبر أنه يستمر طول عمر المؤمن يجاهد في سبيل ربه، ويقاوم شهواته، ويقهر هوى نفسه بخلاف الجهاد في الحرب مع أعداء الإسلام، وإن كان ثوابه يفيض على صاحبه ويكون سببًا للجنة في الآخرة ونوال الدرجات والقرب من الله فيها إلا أنه باعتبار وقته هو أصغر، ولا تعارُضَ بينهما؛ فالجهاد الأكبر مستمر حالة كون الإنسان يجاهد الأعداء في الحرب أيضًا، وإذا وجبت الحرب وجب دخولها على من تجب عليه جهادًا في سبيل الله وابتغاء مرضاته ودفاعا عن المسلمين.
([3]) أفتى الفقهاء بأن من تأذَّى في طريقه للجماعة بنحو رؤية أجنبيات فتركبه المعاصي وتغلب على الثواب المرجو من الجماعة؛ بجواز تركه للجماعة، فما يشمه هذا الولي الصالح من نتن قلوب الغافلين في حَقِّهِ أشد؛ فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين، والله تعالى أعلى وأعلم.
مثال صاحب المعصية