أيها العبد، إياك والتدبير مع المدبِّر
واحذر من التدبير مع الله، فمثال المدبر مع الله كعبدٍ أرسله السيد إلى بلد ليصنع له ثِيَابًا، فدَخَلَ العبدُ تلك البلدة فقال: أين أسكن؟ ومن أتزوج؟ فاشتغل بذلك، وصرف هِمَّتَهُ لما هنالك، وعطل ما أمره السيد به حتى دعاه إليه، فجزاؤه من السيد أن جازاه القطيعة ووجود الحجبة؛ لاشتغاله بأمر نفسه عن حق سيده، كذلك أنت أيها المؤمن.
أخرجك الحق إلى هَذِهِ الدار، وأمرك فيها بخدمته وقام لك بوجود التدبير منّةً مِنْهُ لك، فإن اشتغلت بتدبير نفسك عن حق سيدك فقد عدلت عن سبيل الهدى، وسلكت مسالك الرَّدَى.
ومثال المدبر مع الله والذي لا يدبر كعبدين للملك.
أما أحدهما: فمشتغل بأوامر سيده لا يلتفت إلى ملبس، ولا مأكل، إنَّمَا هِمَّتُهُ خدمة السيد فأشغله ذلك عن التعرض لحظوظ نفسه.
والعبد الآخر: كيفما يطلبه سيده؛ وجَدَه يغسل ثيابه، وفي سياسة مركوبه، وتحسين زينته؛ فالعبد الأول أولى بإقبال سيده عليه من العبد الثاني.
والعبد إنَّمَا يشترى للسيد لا لنفسه، كذلك العبد البصير الموفق لا تراه إلا مشغولًا بحقوق الله، ومراقبة أوامره عن مَحَابِّ نفسه ومهماتها، فلما كان كذلك قام له الحق سبحانه بكل أمر، وتوجه له بجزيل عطائه لصدقه في توكله ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق:3]، والغافل ليس كذلك، لا تجده إلا في تحصيل دنياه، وفي الأشياء التي توصله إلى هواه.
مثال العبد مع الله