أيُّهَا العبدُ لا يصلحك إلا الذكر
هَبْ أنَّكَ تُرِيدُ الجِدَّ ولكن لا تساعدك القوى، فاعمل على قدر حالك، و(رَقِّعِ)([1]) الباقي بالذكر؛ فإنه لا شيء أسْهَلُ مِنْهُ، يمكنك في القيام والقعود والمرض والاضطجاع، فهذه أسهل العبادات، وهي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وليكن لسانُكَ رطبًا بذكر الله»، وأي دعاء أو ذكر أسهل عليك فواظِبْ عليه فإنَّ مَدَدَهُ من الله عزَّ وجلَّ، فما ذكرته إلا ببره، وما أعرضت عنه إلا بسطوته وقهره، فاعمل واجتهد، فالغفلة في العمل خير من الغفلة عنه.
تَرَى حالَك حال الزاهدين في الفضل؛ لأن الطالب لا ينقطع عن الأبواب، بل تَجِدْهُ واقفًا عليها، فمثالُهُ كالثَّكْلَى التي مَاتَ وَلَدُهَا، أتراها تحضر الأعراس والأفراح والولائم؟ بل هي مشغولة بفقد ولدها، وكم يرسل لك المولى الصنائع وأنت عبد شرود! فمثالك كالطفل في المهد كلما حُرِّك نام، ولو أرسل إليك الملك خلعة ما أصبحت إلا على بابه، فاغتنم أوقات الطاعات واصطبر عليها.
إن طلبت أن تعصيَه فاطلُبْ مكانًا لا يراك فيه أحد، واطلُب قوةً من غيره تعصيه بها، ولن تستطيع شيئًا من ذلك؛ لأن الكلَّ من نعمه، أتأخذ نعمه وتعصيه بها؟! بل تَفَنَّنْتَ في (أخنى)([2]) المخالفات مَرَّةً بالغِيبَةِ، ومَرَّةً بالنَّمِيمَةِ، ومَرَّةً بالنَّظَرِ، وما بَنَيْتَهُ في سَبْعِينَ سَنَةً تَهْدِمُهُ في نَفَسٍ واحِدٍ.
يا هدَّامَ الطاعات، ما تُسَلَّطُ عليكَ الفَاقَةُ إلا لِتَرْفَعَ حالَكَ إلَيْهِ، ولتجتمع عليه، فيا من يُغْرِقُ نَفْسَهُ في الشَّهَوَاتِ والمَعَاصِي لَيْتَكَ أعطيتها ذَلِكض في المُبَاحَاتِ، فمن عاملته بالدنايا وعاملك بالمنن كيف لا تحبُّهُ؟! من عامَلَكَ بالكَرَمِ وعاملته باللؤم كيف لا تحبه؟!.
إلى الله المنتهى