استغِثْ بالخَالِقِ إذا لَعِبَتْ بِكَ نَفْسُكَ
من أرادَ النهايات فعَلَيْهِ بتصحيح البدايات، ومن صدق مع الله كفاه الله، وحمل عنه مئونة الدفاع؛ لأنَّهُ قد هَانَ كل الهوان، من احتاج إلى الخلق، أتظن الدواء حلوًا تأكله، إن لم تهجم عليه هجمًا لم يحصل لك شفاءٌ، فاهجم على التوبة، ولا تغلِبْك حلاوة المعصية، وإذا رأيت نفسك متطلعة إلى الشهوة فاهرب إلى الله واستغث به فإنَّه ينجيك منها، بدل ما تقول: أين أصحاب الخطوة أين الأولياء؟ أين الرجال؟ قل: أين البصيرة؟ هل يصلح للمتلطخ بالعَذِرَةِ أن يرى بنت السلطان؟!.
عن الشيخ مكين الدين الأسمر -رضي الله تعالى عنه- قال: كنت بالإسكندرية فرأيت شمسًا قد طلعت مع الشمس، فتعجبت من ذلك، فدنوت منه فإذا شابٌّ قد خط عذاره، قد غلب نوره على نور الشمس، فسلمت عليه فرد عليَّ السلام فقلت له: من أين؟ فقال: صليت الصبح في المسجد الأقصى ببيت المقدس وأصلي عندكم الظهر، وأصلي العصر بمكة، والمغرب بالمدينة، فقلت له: تكون ضيفي؟ فقال: لا سبيل لك إلى ذلك. ثم ودَّعني وانصرف.
من أكرم مؤمنًا فكأنما أكرم الله تعالى، ومن آذاه فقد آذى سيَّده ومولاه، فإياك أن تؤذي مؤمنًا([1])؛ فإن نفسك قد امتلأت بمساوئها فيكفيها حملك.
ما مثالك إلا كالبصلة إذا قُشِّرت خرجت كلها قشورًا، إذا أردت تنظيف الماء قطعت عنه أسبابه الخبيثة، فمثال الجوارح كالسواقي تجري إلى القلب، فإياك أن تسقي قلبك بالردي كالغِيبة والنميمة والكلام السيئ والنظر إلى ما لا يحِلُّ وغير ذلك؛ فإن القلب لا يحجبه ما خرج منه، وإنما يحجبه ما قام فيه.
فاستنارة القلب بأكلِ الحلال، والذكر، وتلاوة القرآن، وصونه عن النظر إلى الكائنات المباحات والمكروهات والمحرمات، فلا تطلق يدك إلا لمزيد علم أو حكمةٍ.
عِوَضَ ما تقول: هذه المرآة صَدِئَت. قل: عيني بها رمد. يكون بك حبُّ الرئاسة والجاه وغيرهما وتقول: ما يجذب الشيخ قلوبنا.
قل: العائق مني.
تكون في وسط النهر وأنت عطشان، وتكون معه في الحضرة وأنت تطلب الاتصال، كأنَّ العباد لم يتواصلوا للآخرة إلا بكثرة المآكل والمشارب أو قيل لهم: هذه توصلكم إلى طريق الآخرة.
ولكن ما أرخصَ نفسك عليك! لولا هوانُهَا عليكَ ما عَرَّضْتَهَا لعذابِ الله تعالى، وما أغلاها عليك في طلب الدنيا وجمعها! والعجب كل العجب فيمن يسأل المنجم عن حاله ولا يسأل كتاب الله ولا سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضعفت عن العبادة فرقِّع عبادتك بالبكاء والتضرُّع، إذا قيل لك: من الذي يُبْكَى عليه؟ فقل: عبدٌ عوفِيَ فأنفق عافيته في معصية الله.
إذا نِمْتَ على تَخْلِيطٍ رأيت التخليطَ في منامك، بل ينبغي لك أن تنام على طَهَارَةٍ وتَوْبَةٍ فيفاتح قلبك بنوره، ولكن من كان في نهاره لاغيًا كان في ليله عن الله تَعَالَى ساهيًا.