أيها العبد ارحل عن هذه الأكوان إلى المُكَوِّنِ
لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرَّحى، يسير والذي ارتحل إليه هو الذي ارتحل منه، ولكن ارحَلْ من الأكوان إلى المكون، ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ المُنْتَهَى﴾ [النجم: 42]، إنَّمَا الأنوار مطايا القلوب والأبصار والأسرار، والنورُ جُنْدُ القَلْبِ كما أنَّ الظلمة جند النفس، فإذا أراد الله أن يُعزَّ([1]) عبده أمدَّه بجنود الأنوار وقطع عنه مدد الظلمة والأغيار.
النور له الكشف، والبصيرة لها الحكم، والقلب له الإقبال والإدبار، والأكوان ظاهرها غِرَّةٌ وباطنها عِبْرَةٌ، فالنفس تنظر إلى ظاهر غِرَّتِهَا، والقلب ينظر إلى باطِنِ عِبْرَتِهَا.
متى أَوْحَشَكَ من خَلْقِهِ فاعلَم أنَّه يريد أن يفتح لك باب الأنس به.
الصلاة مَحَلُّ المُنَاجَاةِ ومعْدِنُ المُصَافَاةِ، يَتَّسِعُ فيها ميدانُ الأسرار، وتشرق فيها شوارِقُ الأنوار.
عَلِم وجود الضَّعْفِ مِنْكَ فقلَّل أعدادها، وعلم احتياجك إلى فضلِهِ فكثر إمدادها.
الناس يمدحونك بما يظنُّونَ فيك، فكن أنت ذَامًّا لنَفْسِكَ لما تعلم منها؛ فإن أجهلَ الناس من ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس.
غِبْ عن نظر الخلق إليك بنظر الله إليك، وغِبْ عن شهود إقبالهم عليك بشهود إقباله عليك.
علم أنَّ العباد يَتَشَوَّقُونَ إلى ظهورِ سر العِنَايَةِ فقال تعالى: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾([2])، وعلم أنه لو خلَّاهم من ذلك لتركوا العمل اعتمادًا على الأزل فقال تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ﴾([3]).
إن أردت ورود المواهب عليك فصَحِّحِ الفقر والفاقة لديك: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ﴾([4]).
أنوار أُذِنَ لها في الدخول، وأنوار أُذن لها في الوصول، ربما وَرَدَتْ عليك الأنوار، فوَجَدْتَ القلب مَحْشُوًّا بصور الآثار، فارتحلت من حيث نزلت.
فرِّغْ قلبَكَ من الأغيارِ تجلوه بالمعارف والأسرار.
المؤمن يشغله الثناء على الله عن أن يكون لنفسه شاكرًا، وتشغله حقوق الله عن أن يكون لحظوظِهِ ذاكرًا.
جعلك الله في العالم الأوسط بين مُلْكِهِ وملكوته؛ ليعلمك جلالة قَدْرِكَ بين مَخْلُوقَاتِهِ، وأنَّكَ جوهرة انْطَوَتْ عَلَيهَا أصدافُ مكنوناته.
أنت مع الأكوان ما لم تشهدِ المكوِّنَ فإذا شهدته كانت الأكوان معك.
صِفَاتُ العَاقِلِ