الدنيا في أيديهم وليست في قلوبهم
قال عبد الله بن عتبة: كان لعثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- يوم قُتِلَ زِنَةُ مئة ألف وخمسمئة دينار، وألف ألف درهم، وترك ألف فرس، وألف مملوك، وخلَّفَ ضياعًا ببئر أريس، وخيبر، ووادي القرى ما قيمته: مئة ألف دينار، وخلَّفَ عمرو بن العاص ثمانين ألف دينار، وبلغ مال الزبير بن العوام خمسين ألف دينار، وترك ألف فرس وألف مملوك، وغنى عبد الرحمن بن عوف -رضي الله تعالى عنه- أشهر من أن يذكر.
وكانت الدنيا في أكُفِّهِم لا في قلوبهم، صبروا عنها حين فقدت، وشكروا الله حين وجدت، وإنما ابتلاهم الله سبحانه بالفاقة في أوَّلِ أمرهم حتى تكمَّلَتْ أنوارُهُم، وتطهرت أسرارهم فبذلها لهم؛ لأنَّهُم لو أعطوها قبل ذلك لَعَلَّهَا كانت تأخُذُ منهم، فلما أعطوها بعد التمكين، والرسوخ في اليقين تصرفوا فيها تصرُّفَ الخازن الأمين، وامتثلوا فيها قول رب العالمين: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾([1])، فكانت الدنيا في أيدي الصحابة لا في قلوبهم، ويكفيك في ذلك خروج عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عن نصف ماله كله.
وخروج أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- عن مالِهِ كله، وخروج عبد الرحمن بن عوف -رضي الله تعالى عنه- عن سبعمئة بعير موفورة بالأحمال، وتجهيز عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- جيش العسرة إلى غير ذلك من أفعالهم، ومن سني أحوالهم.
فتضمنت الآيات التذكية لظواهرهم وسرائرهم، وإثبات محامدهم ومفاخرهم.
فقد تَبَيَّنَ من هذا أن التدبير على قسمين: تدبير الدنيا للدنيا كما هو حال أهل القطيعة اللئام الغافلين، وتدبير الدنيا للآخرة، كحال الصحابة الأكرمين والسلف الصالح، رضي الله تعالى عنهم أجمعين وجعلنا ممن اقتدى بهم، آمين.
هواتف الحقائق