الشكر وصلاح النفس
كان المتقدمون من السلف -رضي الله تعالى عنهم- يسألون الشخص عن حاله ليستثيروا منه الشكر([1])، والناس اليوم ينبغي ألَّا يسألوا؛ فإنك إن سألت تستثير الشكوى.
عن بعض النبَّاشين أنه تاب إلى الله تعالى فقال يوما لشيخه: يا سيدي نبشت ألف قبر إنسانٍ فوجدت وجوههم محوَّلةً عن القبلة. فقال الشيخ: يا ولدي ذلك من شكهم في الرزق.
يا عبد الله، إذا طلبت من الله تعالى فاطلب منه أن يصلحك من كل الوجوه، وأن يُصْلِحَكَ بالرِّضَا عنه في تدبيره لك، ثم إنك عبد شَرُودٌ طلبَ منك أن تقبَلَ إليه ففرَرْتَ مِنْهُ، فإنَّ الفرار يكون بالأفعال والأحوال والهمم، فإذا كنت في صلاتك تسهو، وفي صومك تلغو، وفي لطف الله تشك، إنما أنت شارد.
عن الشيخ أبي الحسن -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: بقيت مرَّة في البادية ثلاثة أيام لم يفتح لي بشيء، فجاز عليَّ بعض النصارى فرأوني متكئًا فقالوا: هذا قسيس([2]) من المسلمين. فوضعوا عند رأسي شيئًا من الطعام وانصرفوا فقلت: يا للعجب، كيف رزقت على أيدي الأعداء ولم أرزق على أيدي الأحبَّاء؟! فقيل لي: ليس الرجل من يرزق على أيدي الأحباء، إنما الرجل من يرزق على أيدي أعدائه.
يا هذا، اجعل نفسك كدَابَّتِكَ كُلَّمَا عَدَلَتْ عن الطريق ضربتَهَا فرجعت إلى الطريق، ولو فعلت مع نفسك مثل ما تفعَلُ بجِبَّتِكَ كلما توسَّخَت غسلتها، وكلما تَقَطَّعَ منها شيءٌ رقعته وجدَّدته كان لك السعادة، فرُبَّ رجلٍ ابْيَضَّتْ لحيتُه وما جلس مع الله جلسة يحاسب فيها نفسه.
عن الشيخ مكين الدين الأسمر -رضي الله تعالى عنه- يقول: كنت في البداية أحاسب نفسي عند المساء فأقول: تكلمت اليوم كذا وكذا فأجد ثلاث كلمات أو أربعًا، وكان عنده يومًا شيخٌ عمره نحو تسعين سنة، فقال له: يا سيدي، أشكو إليك كثرة الذنوب. فقال له الشيخ: هذا شيءٌ لا نعرفه، وما أعرف أني عملت ذنبًا قط.
([1]) ليستثيروا منه الشكر: أي الشكر لله فيثاب الناس، ويثاب السائل لهم على ذلك، وتتذوق قلوبهم هذا المعنى.
([2]) يعني شيخ من المسلمين، وإذا اجتمع مع قسيس النصارى جاز أن يقال قسيسان كما قال القائل «فالشيخ والقسيس قسيسان» كما يقال على التَّمْرِ والماء الأسودان، ويقال على سيدنا أبي بكر وعمر العمران، وهكذا.
لن تَصِلَ للحبيبِ حتى تكون أهلًا لذلك